الموقف الوهابي من الأقباط.. مرجعيات تفجير الكنائس (1)

3

ان تفجير كنيستي طنطا والاسكندرية أمس ومن قبلهما البطرسية وحرق الكنائس أيام المعزول محمد مرسي يجعلنا نفكر بجدية في ما وراء هذا العنف والإرهاب والعنصرية، وما هي مرجعية هؤلاء الذين يحملون كل هذه الكراهية للوطن قبل كراهيتهم للأخر الديني شريك الوطن. لنجد ان الفكر الوهابي يعد المرجعية الأساسية للدعوة السلفية وذراعها السياسية حزب النور ومن بين أبرز شيوخ الوهابية الذي تأخذ عنه الدعوة السلفية فتواها هو الشيخ ابن باز الذي يرفض الأخوة الوطنية بين المسلم والمسيحي حيث انه يعتبر المسيحي كافر بما انزل الله وبالتالي هو عدو حتى لو كان من نفس الوطن فيقول في رده على خبر صحفي نشر في صحيفة عكاظ العدد 3031 وفي جريدة أخبار العالم الاسلامي العدد 395 وكان الخبر يتعلق بإقامة صلاة الجمعة في مسجد قرطبة، وذكرت فيه أن الاحتفال بذلك يعد تأكيدا لعلاقات الأخوة والمحبة بين أبناء الديانتين الإسلام والمسيحية، وكان التعليق على الخبر “ولا شك أن هذا العمل يعتبر تأكيدا لسماحة الإسلام وأن الدين واحد” وكان رد الشيخ ابن باز” ونظرا إلى ما في هذا الكلام من مصادمة الأدلة الشرعية الدالة على أنه لا أخوة ولا محبة بين المسلمين والكافرين، وإنما ذلك بين المسلمين أنفسهم، وأنه لا اتحاد بين الدينين الإسلامي والنصراني، لأن الدين الإسلامي هو الحق الذي يجب على جميع أهل الأرض المكلفين إتباعه، أما النصرانية فكفر وضلال بنص القرآن الكريم والحديث الشريف وما جاء في معنى ذلك من الآيات والأحاديث ما يدل دلالة ظاهرة على أن الأخوة والمحبة إنما تكون بين المؤمنين أنفسهم.
أما الكفار فيجب بغضهم في الله ومعاداتهم فيه سبحانه، وتحرم موالاتهم وتوليهم حتى يؤمنوا بالله وحده ويدعوا ما هم عليه من الكفر والضلال.
كما دلت الآيات على أن الدين الحق هو دين الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وسائر المرسلين، وهذا هو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشر الأنبياء ديننا واحد) رواه البخاري في صحيحه، أما ما سواه من الأديان الأخرى سواء كانت يهودية أو نصرانية أو غيرهما فكلها باطلة، وما فيها من حق فقد جاءت شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم به أو ما هو أكمل منه، لأنها شريعة كاملة عامة لجميع أهل الأرض، أما ما سواها فشرائع خاصة نسخت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي هي أكمل الشرائع وأعمها وأنفعها للعباد في المعاش والمعاد.
من العقيدة إلى السياسة وتبدلات الموقف السلفي من الأقباط
ومن خلال هذا الرأي وحسب ابن باز فلا يجوز التعامل مع هؤلاء بمودة وموالاة او مشاركتهم اعيادهم حيث يقول في هذا الخصوص في مجموع الفتاوى الجزء السادس “لا يجوز للمسلم ولا المسلمة مشاركة النصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم بل يجب ترك ذلك؛ لأن من تشبه بقوم فهو منهم، والرسول عليه الصلاة والسلام حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم.
فعلى المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك، ولا تجوز لهما المساعدة في ذلك بأي شيء، لأنها أعياد مخالفة للشرع، فلا يجوز الاشتراك فيها ولا التعاون مع أهلها ولا مساعدتهم بأي شيء لا بالشاي ولا بالقهوة ولا بغير ذلك كالأواني وغيرها.
وتلك الفتاوى التي نجدها منتشرة على السنة الدعوة السلفية وحزب النور في معاداتهم للأخوة الاقباط شركاء الوطن، حيث يخرج علينا قياداتهم وكبار مشايخهم في كل مناسبة يحرمون علينا مشاركاتهم مما اوجد هوة اجتماعية ومزق اللحمة الوطنية التي كانت بين ابناء الشعب الواحد فرأينا كنائسهم تحرق ويتم الاعتداء عليهم تحت دعوى ان موالاتهم كفر، فكم عانى الشعب المصري ومازال يعاني من هذه الفتاوى التي تستند على مرجعيات متعصبة ولا تؤمن أصلا بالوطنية.
وتاريخ التيار السلفي مع الأقباط يستعصى على أي قدر من الانتهازية السياسية، فمنذ نشأة التيار في مصر على يد مجموعة من طلاب الجامعات في السبعينيات وهم ينظرون إلى المسيحيين على أنهم «كفار» وليسوا شركاء في الوطن، وهو ما تؤكده فتاوى منظري السلفية في مصر أمثال الشيخ محمد إسماعيل المقدم، وياسر برهامي، وأبو إسحاق الحوينى وغيرهم من حاملي هذا الفكر الوهابي.
يحفل موقع «صوت السلف» بفتاوى أجمع عليها أعضاء الدعوة السلفية تقوم على أن «غير المسلم» لا يجوز له أن يتولى الولايات العامة مثل قيادة الجيش ولا حتى سرية من سراياه، ولا يجوز أن يشتركوا في القتال ولا يتولوا الشرطة ولا أي منصب في القضاء ولا أي وزارة، وأن المساواة المطلقة بين مواطني البلد الواحد قول يناقض الكتاب والسنة والإجماع.
وهو ما عبرت عنه الكثير من الفتاوى التي أصدرها مشايخ السلفية، أمثال برهامي، والحوينى، والمقدم، مستندين في فتاواهم إلى إصدارات ابن القيم وابن تيمية، ومشايخ السلفية السعودية الذين تبنوا الفكر الوهابي، أمثال «ابن عثيمين» و«ابن باز» بحق الأقباط، في نواح كثيرة سواء بناء دور العبادة، وتهنئة الأقباط بأعيادهم، ودفعهم للجزية، وإلقاء السلام، وغيرها من الفتاوى التي تنافى سماحة الدين الإسلامي.
ويذهب قادة السلفية إلى تحريم بناء الكنائس بشكل قاطع، وفى هذا المعنى يقول أبو إسحاق الحويني: «في ميثاق عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أنه إذا هدمت كنيسة وسقطت لا ينبغي لها أن تجدد، ويسخر ممن يقول إن من حق النصارى التبشير بدينهم في الفضائيات ويقول إن هذا من علامات آخر الزمان»، وهو ما أكده الشيخ السلفي فوزى عبدالله، بقوله: “يجب عليهم الامتناع من إحداث الكنائس والبيع، وكذا الجهر بكتبهم وإظهار شعارهم وأعيادهم في الدار؛ لأن فيه استخفافًا بالمسلمين.
ولم تقتصر فتاوى السلفيين على ذلك، بل وصلت إلى وجوب فرض «الجزية» على الأقباط، بل ووجوب قتالهم حتى يسلموا، وذلك حسب ما ورد في كتاب «فقه الجهاد» لنائب رئيس الدعوة السلفية: «إن اليهود والنصارى والمجوس يجب قتالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون”، وأكد على ذلك قول «الحويني» عن الجزية، في خطبته عن «الولاء والبراء»، “يجب أن يدفعها المسيحي وهو مدلدل ودانه”.
وحسب ما ورد في كتب الفقه المعتمدة من الأزهر الشريف، أن الجزية تُدفع شريطة الدفاع عن الأرض والعرض من قبل جيوش المسلمين، وهو الأمر الذي لا ينطبق على الأقباط في مصر – بنص ما صدر عن دار الإفتاء، لأنهم يشاركون في الجيش ومنخرطون داخل الدولة في كل مناحي الحياة، واستند «الأزهر» في فتواه على قول الله (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين)
ومن هذا المنطلق كانت الدعوة للسلام بين المسلمين والنصارى صريحة، طالما لا يوجد قتال عقائدي بين الفريقين، إلا أن حملة الفكر الوهابي المتشدد، رأوا أنه لا يجوز بدء المسلم بالسلام على القبطي، لأن ذلك دليل على عزة الإسلام وأهله، حسب ذكرهم، ففى تلك القضية، يقول الشيخ محمود المصري، الداعية السلفي، في كتابه «تحذير الساجد من أخطاء العبادات والعقائد»: “بأنه لا يجوز بدء غير المسلمين بالسلام، ولا حتى القول لهم أهلا أو سهلًا لأن ذلك تعظيم لهم”.
وتوافقت فتوى «المصري» مع فتوى «محمد إسماعيل المقدم»، الأب الروحي للدعوة السلفية، والذي قال « لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه»، مبررًا ذلك بأن هذا لبيان عزة المسلمين وذلة الكافرين.
توالت دعوات الفكر المتطرف، ومناشدة أتباعه إلى تطبيق «العزلة المجتمعية» على أصحاب الديانات الأخرى، وخاصة الأقباط، وصلت إلى تحريم المعاملة في البيع والشراء، والتهنئة بالأعياد، مثلما جاء على لسان الشيخ صفوت الشوادفى، نائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر: “إن الشريعة حرمت علينا أن نشارك غيرنا في أعيادهم سواء بالتهنئة أو بالحضور أو بأى صورة أخرى، وعلى غير المسلمين، عدم إظهار أعيادهم بصفة خاصة أو التشبه بالمسلمين بصفة عامة”.
نشرت مجلة «التوحيد» المنبر الإعلامي لجماعة أنصار السنة المحمدية التي تتبنى الفكر السلفي، فتوى للشيخ محمد عبدالحميد الأثري الذي يقول فيها: لا يجوز أبدا أن تهنئ الكفار ببطاقة تهنئة أو معايدة، ولا يجوز لك أيضًا أن تقبل منهم بطاقة معايدة بل يجب ردها عليهم ولا يجوز تعطيل العمل في أيام عيدهم»، وتناولت المجلة فتوى أخرى للداعية السلفي «مصطفى درويش» والذي أفتى بحرمانيه تهنئة «النصارى» بأعيادهم، مستشهدًا بأقوال «ابن تيمية» و”ابن القيم”.
وأفتى «برهامي» بحرمانيه تهنئة الأقباط بـ«عيد ميلاد المسيح» أو «الكريسماس»، قال «إن تهنئة الكفار بعيد الكريسماس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق»، مستندًا إلى فتاوى سابقة لـ«بن عثيمين» والشيخ “بن باز”. كما أفتى «برهامي» أن حضور حفلات عقد قران الأقباط حرام، لأنها تذكر فيها عبارات تخالف العقيدة، لكنه أباح الذهاب للتهنئة بالقران في البيت، ولكن ذلك بشرط «إن كان العروسان من غير المحاربين للإسلام”.

حسام الحداد

المصدر:

مافا السياسي (ادب المطاريد)

www.mafa.world

 



3 تعليقات

  1. من يعتقد ان تفجير الكنائس عمل بطولي وجهادي فهو مخطأ ولا يعلم حقيقة الاسلام وتسامحه واحسانه الى غير المسلمين .

  2. السلام عليكم
    المساله القبطيه فى مصر -ذكرنى هذا المصطلح بكلمة “المساله الشرقيه “التى كانوا يطلقونها علينا قديما-اظن انها معقده ومتشابكه
    فالوهابيه وبتعبير اكثر تحديدا السلفيه وان كان لها جذور فقهيه وفكريه فى التاريخ الاسلامى كالامام احمد بن حنبل والامام احمد بن تيميه وبن القيم وقبلهم بعض شخصيات من الجيل الاول من سلف الامه والتابعين الا ان السلفيه فى العقود الاخيره تكاد صلتها تنبت تماما عن جذورها بدلالة ان اعلامها القدامى كانوا كلهم ضد السلطه وماتو ا اما فى سجونها او منافيها او بسيوفها اما سلفية اليوم فهى فى احضانها واصبحت تدور فى فلك الظلم والظالمين وصارت اداة استخباريه وسياسيه دوليه ومحليه
    اما من الناحيه الفقهيه -بمعناها الاصطلاحى وهى الاحكام العمليه التفصيليه-فهى كما ذكرت امتداد لمدرسه واحده من مدارس الفهم للنصوص وهى وان كانت تلائم بعض اجزاء المجتمع الاسلامى فى زمن متقدم الا انها قطعا لا تصلح كى تعمم على المجتمع الاسلامى كله خاصة فى عصرنا ناهيك عن تصديرها للناس بانها هى انموذج الاسلام الاصلى او النقى الذى ينبغى احتذاؤه
    ولا اريد ان استفيض فى اسباب انتشار السلفيه الحديثه -النسبى- فهو ليس موضوعنا ومنعا من الاستطراد المشتت للذهن فهى لم تنتشر بقوتها الذاتيه ولا بفضل صلاحيتها كما مر الا لوجود من يدعمها ويقف وراءها
    اقول ورغم ذلك كله الا انه فى خصوص المساله الفبطيه لا اظن ابدا صحة تسليط الضوء على الوهابيه وجعلها اصلا ومرجعية لتفجير الكنائس -خاصة فى هذا التوقيت وهذه الظروف- فاذا ما حددنا نطاق الكلام بمصر
    فان الاحتقان الطائفى الذى كان اخر السبعينات واول الثمانينات لا اظن ان تاصيله يرجع للسلفيه او الوهابيه اذ لم تكن قد انتشرت بمصر انتشارها الان
    ولا اظن ان السلفيه او الوهابيه -كمذهب فكرى وفقهى- قد ولدت بعد حين هاج المصريون على النصارى بسبب ما فعلوه اثناء الحمله الفرنسيه
    ولا اظن انه ينبغى التغافل عن اصابع الاتهام الموجهه للانظمه والاجهزه فى اجراء مثل هذه العمليات التفجيريه
    كما اظن ايضا فى هذا الاطار انه لا يجوز ان نتكلم عن السلفيه والوهابيه الاسلاميه وننسى الوهابيه المسيحيه …لماذا نسينا تصريحات بيشوى المتكرره بان المسلمين ضيوف بمصر وغيرها من التصريحات الخطيره وشحنة الاسلحه المضبوطه باحد الموانئ المصريه عام 2010 تقريبا والتى كانت ذاهبه للكنيسه …لماذا ننسى التحركات المريبه فى صحراءنا الغربيه والاستيلاء على مساحات شاسعه من الاراضى وبالمخالفه للقانون وبتحدى للدوله واجهزتها كما حدث فى دير وادى الريان بالفيوم والاستيلاء على عشرات الالف من الافدنه ومنها اراضى محميه طبيعيه ومنع انشاء الدوله لطريق هناك والتعدى على المحافظ حين ذهب اليهم للحل وغير ذلك كثير …لماذا ننسى حالات كثيره من النساء والبنات اللاتى اسلمن واخذتهن الكنيسه عنوه فى تحد ليس للاسلام ولا للكسلمين فحسب بل حتى لمبادئ العلمانيه والحريه والديمقراطيه ….لماذا ننسى انقلاب الكنيسه على الديمقراطيه مع من انقلب …لماذا ننسى كتائب البلاك بلوك وتمويلها والقائمه طويله ….ابتداءا من تصرفات شنوده فى السبعينيات وحتى الان
    لا انكر طبعا اخطاء المسلمين واخطاء النظام ولا انكر ان بعضا من ظلم وقع على الاقباط بمصر فى وقت ما لاسباب عديده ليس هذا محل استقصاؤها الا وانه وفى نفس الوقت فان ما ينسب اليهم يتجاوز بكثير مجرد كونه رد فعل على ظلم او اضطهاد
    ومن ثم فان تناول المشكله من زاويه واحده فقط والكلام عن تاصيل لفجير الكنائس والسلفيه او الوهابيه اقل ما يقال فيه انه ظلم كبير للحقيقه
    تحياتى

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا