تأملات فى الأمن القومي المصري (2 من 3)

0

تأملات في الأمن القومى المصرى ) مقال كتبته في الإسكندرية عام 2012 قبل انتخاب الرئيس مرسى . منذ ذلك الوقت أحداث جسام وقعت ودماء كثيرة تدفقت فوق أرض الوادى . يتفق الجميع على أن الأمور منذ 25 يناير 2011 وحتى اللحظة (ديسمبر2016 ) تسير من سئ إلى أسوأ، فاليوم دائما أفضل من الغد ، أما الأمس ـ مهما كان أسودا وبغيضا ـ فهو بالتأكيد أفضل من لحظتنا الكارثية وغدنا الغامض المخيف .

يظل المقال المذكور صالحا وسارى المفعول ، إلا أنه يحتاج إلى إضافات تستفيد من الأحداث الرهيبة التي وقعت في مصر منذ كتابته وحتى الآن ، إضافات سوف تثرى /توضح / تؤكد / ما به من أفكار .

سأحاول مستقبلا كتابة بعض هذه الإضافات ـ والأعمار بيد الله ـ

***

 

تأملات فى الأمن القومي المصري (2 من 3)
تهديدات للأمن القومي المصري :

لدينا ثلاث منظومات من المخاطر تهدد الأمن القومي المصري  :

# منظومة مخاطر تهدد الوجود البشرى للشعب المصرى .
#
 منظومة مخاطر تهدد وجود الدولة المصرية.
#
 منظومة مخاطر تهدد التكوين الفكرى والقيمى والثقافى والأخلاقى للفرد المصرى.


تلك المنظومات تنبع من مصدران أساسيان، نستعرضهما فيما يلى  :

 

1-  مصدر تهديد خارجى :
هناك مصدر تهديد خارجى أساسى وهو العدو المتوحد (إسرائيل/ أمريكا).
ومن خلال التحكم فى مصر بشكل كامل وتوجيه مسارها تتمكن إسرائيل وأمريكا من التحكم فى العالم العربى كله , وبالتالى تطويع العالم الإسلامى بشكل عام .
2-   مصدر تهديد داخلي :
أهم مصادر التهديد للأمن القومى المصرى هو “نظام التعبية السياسية الكاملة للخارج” وتحديداً للولايات المتحدة .
ومنذ إنصياع القيادة المصرية للمشيئة الإمبراطورية الأمريكية أصبحت مصر ( وليس رئيسها فقط) كنزاً استراتيجياً لتلك الإمبراطورية وبالتالى كنزاً إستراتيجياً لإسرائيل .
مهمة القيادة السياسية لمصر لم تكن الحفاظ على مصالح مصر وأمنها بل أن مصر كلها بقياداتها وأجهزة الحكم والإدارة فيها مكرسة للحفاظ على مصالح وأمن إسرائيل وأمريكا على حساب الإهدار الكامل للأمن القومى المصرى ومصالح شعب مصر وكرامته .
إسرائيل خطر وجودى على مصر :
الأخطار الوجودية على مصر مصدرها إسرائيل ، وهى لا تفعل ذلك منفردة بل تدعمها الولايات المتحدة بشتى وسائل الدعم التى يمكن /أو لايمكن/ أن نتخيلها. ومن الصعب هنا حصر كل المجهود التدميرى الذى تمارسه إسرائيل ضد مصر منذ توقيع إتفاق “السلام المقدس” معها ، ولكن فما يلى بعض الأمثلة .
إسرائيل وسرقة مياة النيل :
أهم الأخطار التى تشكلها إسرائيل على الأمن القومى لمصر هو السيطرة مياه النيل . وتحركات إسرائيل بالإسناد الأمريكى الكامل من أجل التحكم فى مياه النيل تمهيداً لإحتجاز المخزون المائى الضخم داخل دول المنبع ثم نقله إلى السوق الدولية وبيعه كسلعة إستراتيجية فى ظل شح المياة فى كثير من دول العالم خاصة مع بوادر التغير المناخى الذى يضرب دولا كثيرة . وذلك على حساب السودان ومصر التى تعانى حالياً من عدم كفاية نصيبها من مياه النيل.

هذا هو الخطر الذى يهدد صميم وجود الشعب المصرى . والغريب أن النظام المصرى لم يكتف بالوقف  “على الحياد ” بل شارك فى قتل شعبه بمساندته مجهودات فصل جنوب السودان الذى تتدفق عبره مياه النيل ، وكذلك فعلت ليبيا ودول خليجية ، أرسلوا المال والسلاح للإنفصاليين فى جنوب السودان وفى شرقه وغربه أيضا .
(مصر هبة النيل) حسب القول التاريخى المعروف, ولكنها على يد نظامها السياسى المرتهن بالكامل لإعدائها سوف تتحول إلى رهينه فى يد من يتحكمون فى مياه النيل ، خاصة وأنهما طرفان مسيطران على الإرادة المصرية , أحدهما يوصف  قهرا بأنه حليف إستراتيجي والثانى يكبل مصر بإتفاقية سلام هى ليست أكثر من (وثيقه إذعان وتبعية كاملة).

 

السودان .. من عمق إستراتيجى إلى حقل ألغام لمصر :

بحكم التاريخ والجغرافيا ، السودان ومصر كلاهما يمثل عمقاً إستراتيجياً للآخر . ولا يمكن لأحدهما أن ينهض حضاريا بدون الإستناد إلى الآخر . وكلاهما يواجه من المعضلات التى يستحيل حلها بدون الشقيق الآخر . مجهودات إسرائيل المدعومة بالنظام المصرى وأشقائه من دول “الإعتدال” العربى حولوا السودان إلى حقل ألغام مزروع بالفتن العرقية والمجموعات الإنفصالية المسلحة والحروب الأهلية . وبدلا من أن يكون السودان عمقا لمصر أصبح حقل ألغام ضخم أضاع الفرصة التاريخية ، ويشكل فى وضعه الراهن تهديداً كبيرا للأمن القومى المصرى .

 

مصادرة إمكانيات السودان الزراعية  :
قبل أن نترك السودان نشير إلى مجهودات الشركات الزراعية العملاقة والتى هى على علاقة غير مباشرة بإسرائيل رغم الغطاء العربى أو المصرى أو الدولى الذى يرتديه بعضها.
تلخيص مجهود تلك الشركات هو تحويل الثروة الزراعية العملاقة فى السودان إلى حساب إقتصاد إسرائيل والعالم الغربى , وحرمان مصر والسودان معا من الإستفادة المشتركة من تلك القدرة الزراعية الهائلة فى تقوية أوضاعهما الداخلية والخروج بالعالم العربى كله من موضع التبعية الغذائية للغرب ، حيث أن العرب يستوردون أكثر من نصف إحتياجاتهم الغذائية من الخارج بينما إمكانات السودان الزراعية العملاقة تكفى لأن تكون سلة قمح العالم . وتعتبر السلع الغذائية الآن من أهم وسائل السيطرة الغربية على الدول المتخلفة خاصة فى ظل موجات الجفاف والتغيير المناخى وتزايد السكان وفشل الأنظمة القمعية فى إدارة مصالح شعوبها.

 

خطر الحصار البحرى متعدد الأضرار :
تحتفظ إسرائيل بقوة بحرية ضمن تواجد بحرى قوى للولايات المتحدة وبعض الحلفاء الأوربيين تحت إدعاء مخادع هو مقاومة القراصنة الصوماليين (المسلمين). فضرب هؤلاء الإستعماريون حصارا بحريا إمتد ليشمل البحر الأحمر وبحر عمان وبحر العرب والخليج العربى .
ومصر معنية بلا شك بالحصار البحرى المفروض على تلك البحار وإن كانت / كالعادة / غائبة تماماً عن ساحة الفعل . فتلك الساحة المائية الشاسعة ذات أهمية استراتيجية فائقة لمصر إذ تصلها بأفريقيا وجزيرة العرب وآسيا ، لكنها أصبحت بالكامل تحت سيطرة أساطيل أمريكا وإسرائيل ومعهما حلف الناتو . هذا الحصار يمثل تهديدا أمنيا وإستراتيجياً لمصر الغائبة عن الوعى حتى الآن .

 

أهدف ذلك الحصار البحرى العملاق هى
1-   حصار الصومال ودول القرن الأفريقى وضرب التواجد الإسلامى هناك ” القبائل” لتأمين عمليات بناء السدود الضخمة على منابع النيل لحرمان مصر من حقوقها المائية ، أو بمعنى آخر تعطشها فى المستقبل القريب ، بما يمحو حقها فى الوجود بتعريض الملايين من شعبها للهلاك عطشا وجوعا . وتلك هى أفظع الأخطار على الأمن القومى لمصر التى مازالت نخبتها المثقفه منغمسة فى جدل بيزنطى حول طبيعة الدولة المنشودة فى مصر : دينية أم مدنية , ومخاطر تطبيق الشريعة على الديموقراطية والحريات الشخصية التى نرفل فى نعيمها . هذا بينما مستقبل مصر وإستمرارها كدولة هو منذ زمن موضع شك كبير ، بسبب الأعمال المضادة للأمن القومى المصرى التى تقوم بها إسرائيل داخل وخارج مصر .

والمثير للعجب أن أحزاب مصر وقادتها يتسابقون فى الإعلان عن تمسكهم بإتفاق السلام مع الذين يدمرون مصر شعبا ودولة . والسبب هو أن رأس النظام قد تغير وتبقى لنا جوهر النظام القائم على التبعية للأعداء ، فترسخت فى بلادنا ثقافة الإذعان سواء على قمة هرم السلطة أو قمة هرم المعارضة .

2ـ   الهدف الثانى للحصار هو جزيرة العرب لجعلها آمنه بالنسبة لأى تقدم إسرائيلى صوب المدينة المنورة ( من بين مناهج التعليم فى أعلى الأكاديميات العسكرية الأمريكية دعوات “لتجويع السعودية وتدمير مكة والمدينة حتى يختفى الإسلام” !! ، وفقرات أخرى مثل : “الإستعداد فى المستقبل القريب لحرب شاملة على الإسلام والمسلمين بإستخدام تكتيكات مماثلة لتلك التى إستخدمت فى هيروشيما وناجازاكى ومدينة درسدن الألمانية” ) .
وقبل ذلك يجب إزالة عدة عقبات بواسطة ذلك الحصار البحرى ، تلك العقبات هى :
أ‌-    قبائل اليمن المسلحة التى يجب إضعافها إلى أقصى حد بالحروب الأهلية والفتن المذهبية والقبلية والقلاقل الثوية التى لا تفضى إلى شئ  .

ب‌-   التخلص من القوة السورية بتفتيتها على الطريقة العراقية وبنفس الوسائل ، والتخلص من مقاومة “حزب الله” فى لبنان و”حماس” فى فلسطين ليصح الشرق العربى آمنا بالنسبة لإسرائيل ويكون مدخل جزيرة العرب الشمالى مفتوحاً على مصراعيه  .

=   وتجدر الإشارة إلى أن عقبة القوة العراقية تم حلها بشكل نهائى بالغزو الأمريكى لذلك البلد وإعادة ترتيب أوضاعه بتفكيكه إلى عدة دويلات قائمة ولكن غير معلنة , فأصبح العراق غير قادر على الدفاع عن نفسه ناهيك عن تشكيل أى خطر على إسرائيل , التى لم تتأخر عن إختراق العراق شمالاً وجنوباً وفى العمق , بعد أن ساهمت فى غزوه . ونفس المصير هو ما يتكاتفون على تنفيذه فى سوريا الآن ، ليس عشقا لعيون شعبها ولكن لأمن إسرائيل ومصالح أمريكا وحلف الناتو فى المنطقة العربية التى غابت شعوبها عن الوعى فضلت ثوراتها سواء السبيل وأخذت الخيارات الأسوأ .
إن الحصار الإسرائيلى الغربى المضروب على البحار العربية يستهدف إسقاط كامل المشرق العربى فى القبضة الإسرائيلية العسكرية الإقتصادية مدعومة فى ذلك بالقوة الإمبراطورية الأمريكية ورديفها العسكرى حلف الناتو ، كما يهدد بضرب وتمزيق إيران التى تشكل عمقا إسلاميا إستراتيجيا للعالم العربى وذخيرة إقتصادية وبشرية وعلمية / لنا وليست علينا / رغما عن كل خلاف طبيعى بين القوى التاريخية الكبرى المتجاورة والمعرضة دوما للخطأ والصواب فى حساباتها . ولكن حقائق الجغرافيا يستحيل تغييرها ، والتاريخ يكون ضارا إذا تمت قراءته بعين المصالح السياسية الراهنة ، خاصة إذا كان البعض يقرأون ويفسرون أحداث التاريخ حسب ما يمليه عليهم أعداؤهم . فقراءة التاريخ أيضا تحتاج إلى إرادة وطنية حرة حتى نفهمه على وجه صحيح ، وإلا صار التاريخ عملا إنتقائيا مسيسا يساهم فى إذكاء الفتن وإحياء الإحن ، أو عنصرا فى مكونات “هندسة الفتنة” .

ذلك هو الحال فى شرق وجنوب مصر فهل الوضع الإستراتيجى إلى الغرب منها يعتبر أفضل حالا؟؟. فلننظر لنرى  ..

ليبيا :   بعد القذافى مازالت تخوض إشتباكات قبلية قد تصل بها إلى درجة الحرب والتقسيم . ومخازن جيش القذافى تتدفق صوب مصر فأغرقت أسواق السلاح السرية فيها بطوفان من الأسلحة الحديثة التى يمكن أن تهدد مصر فى الصميم إذا تلقفتها جهات معينه ستجد حتما دعماً إسرائيليا أمريكيا / بل وعربيا نفطيا أيضاً / فى سبيل تكرار سيناريو العراق و سوريا وليبيا .

تونس :  التى دشنت الربيع العربى مازالت غير مكتملة المعالم سياسيا ، والنظام السابق لم يغادرها بل دخل فى حالة شراكة مع “ضيوف” جدد أدخلتهم الثورة إلى قمة السلطة , كما يحدث فى مصر الآن . ومازال النظام الثورى كما كان نظام من سبقوه يلعب على حبل التنافس الأمريكى الفرنسى على تونس ، أما إسرائيل هناك فموقعها لا يمكن أن تنافسها فيه أى قوة دولية أخرى . فذلك أهم الثوابت السياسية فى المشرق العربى كما فى المغرب العربى ، أى أنه خارج تاثيرات الجغرافيا.

الجزائر : لازالت فى حرب أهلية مستمرة منذ عقدين بين النظام ومجموعات سلفية مسلحة ، للنظام نفسه يد كبرى فى إصطناعها ، واليد الأخرى لأطراف تتصارع على ثروة الجزائر من النفط والغاز . أطراف على رأسها الولايات المتحدة التى تواصل الضغط لإحتلال مواقع النفوذ الفرنسى التقليدية فى الجزائر . أوروبا كلها مهتمة بنفط الشمال الأفريقى ومهتمة أيضا بموقعه الإستراتيجى المؤثر على أمنها ومهتمة بالإمكانات الهائلة للطاقة المتجددة فى الشمال الأفريقى . لهذا من المجازفة أن يحلم أحد باستقرار الجزائر / أو باقى الشمال الإفريقى / حتى فى المستقبل المتوسط .

المغرب : شأن ملكيات المشرق ، أمن نفسه بشيئين : الأول تحالف مع أغلب التيارات الإسلامية ، فرضى عنها وأرضاها ، حتى تبقى فى وضع السكون . ثانيا واصل علاقاته الإستراتيجية مع إسرائيل ولكن عبر الكتلة اليهودية المغاربية واسعة النفوذ فى إسرائيل كما فى المغرب . وساعد ذلك المغرب ليس فقط فى التعامى الدولى عن سجلها فى حقوق الإنسان ولكن أيضا عن كونها من كبار منتجى حشيشة الكيف دوليا ، ومنطلقا لموزعيها نحو أوروبا.

موريتانيا : لولا إنخراطها فى البرنامج الأمريكى للحرب العالمية على “الإرهاب الإسلامى” لما تنبه أحد إلى وجودها على خريطة العالم السياسية . وساعد على هامشيتها إقتصاد غاية فى البدائية ، قائم على صيد الأسماك وإستخراج خام الحديد ، وكلاهما يذهب للأخت الأوربية الكبرى المتنمرة على الضفة الشمالية للبحر المتوسط .
الصورة فى الشرق كما فى الغرب كما فى الجنوب كما فى الخندق المائى المسمى بالبحر الأحمر ثم ذلك المسمى البحر الأبيض ، تلك البحار التى لا شأن للعرب / أو لمصر/ بها سوى المرور كمتطفلين فقراء يحملون بضائعهم المزجاة أوتلك المهربة .

#   تلك الصورة البائسة تقول أن مصر محاصرة إستراتيجياً داخل صندوق سئ التهوية تكاد أن تزهق روحها فيه . فمن يخرج المارد المصرى من ذلك القمقم ؟؟؟.
وأين موضع الأمن القومى المصرى فى وعى الشعب المصرى ؟؟.
وأين هى النخب ؟؟ وماذا يشغلها فى حقيقة الأمر ؟؟ وهل مصالحها تقع فى مصر أم فى مواضع خارجها .. من حيث يأتى التمويل ؟؟.

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

المصدر:
مافا السياسي (ادب المطاريد)

www.mafa.world

 



ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا