بين الظواهرى والأمير منصور : محبة متبادلة / أم كراهية مشتركة / أم برنامج أسيوى قادم ؟؟

الإعلان المفاجئ عن وفاة الملا محمد عمر ـ بعد إخفاء دام لأكثر من عامين لأسباب غير مبررة ـ ثم الإعلان عن الملا منصور أميرا للمؤمنين ـ فى إختيار تم على الأراضى الباكستانية ، رغم أن باكستان تضع نفسها تحت تصرف السياسة العسكرية والأمنية للولايات المتحدة فى أفغانستان منذعام 1980 ، بل وقامت بمجهود كبير ومباشر فى عملية الغزو عام 2001 . وفوق الأراضى الباكستانية أغتيل عدد يصعب حصرة من القيادات الميدانية للمجاهدين الأفغان خلال فترة الإحتلال السوفيتى ثم الأمريكى .

إختيار”أميرمؤمنين” فى المنفى رغم أن معظم أراضى أفغانستان واقعة مباشرة تحت سيطرة مجاهدى حركة طالبان هو أمر لا يبعث على الإرتياح ، خاصة وأن الملا محمد عمر ـ أمير المؤمنين السابق ـ قضى حوالى أثنى عشر عاما هناك فى ظروف الحرب والمطاردة محاذرا أن يغادر بلاده حتى لا ينفرط عقد المجاهدين ويسقط هو نفسه تحت سيطرة باكستان ، كما حدث وقت الجهاد ضد السوفييت لقيادات الأحزاب الأفغانية الذين تحولوا إلى أدوات لا حول لها ولا قوة فى يد باكستان .

القيادات الميدانية فى الداخل بايعت الأمير الجديد ، حفاظا على وحدة الصف الجهادى ، فى إنتظار سياساته القادمة ، خاصة ما يتعلق منها بموضوع المصالحة مع نظام كابول الذى تضغط لأجله الولايات المتحدة وباكستان ، و يرفضه المجاهدون ، وإن كان الصلح الإجتماعى والسلام بين مكونات المجتمع هو أمنية الجميع فيما عدا الإحتلال الذى يريد من طالبان أن تشارك فى حكومة تدير وضعا داخليا تعصف به الفتن والحروب ، عودة لما كان عليه الحال تحت حكومة المجاهدين التى شكلتها باكستان والسعودية تحت قيادة الإخوان المسلمين وبقايا الشيوعيين عام 1993 .

الأمير منصور لم يظهر عمليا ملامح سياساته الجديدة ، سوى قبول إستقالة “الطيب أغا” رئيس المكتب السياسى للإمارة الإسلامية فى قطر ، والذى نشر إستقالته موضحا أسبابها ، وهى : الإعتراض على إخفاء نبأ وفاة الأميرعمر ، ثم بقاء الشورى والأمير الجديد فى باكستان وليس أفغانستان . ثم أشار إلى أن نفوذ باكستان ورغبتها فى عقد مصالحة بين طالبان وحكومة كابول كانت هى السبب وراء كل ذلك ، معلنا (إخلاء مسئوليتة عن العواقب الوخيمة المحتملة على الوطن والشعب ).

من باكستان ، لم يقدم الأمير منصور وأنصاره فى شورى طالبان أى تفنيد لإتهامات الطيب أغا ، بل ركز إعلام الإمارة على إظهار التأييد الداخلى لإختيار الأمير الجديد . ولتأكيد قوة الأمير الجديد ركز ذلك الإعلام على الترحيب الخارجى القادم من جماعات سلفية جهادية فى فلسطين والشام ، خاصة جبهة النصرة . ثم الرسالة الصوتية التى سجلها الظواهرى مبايعا الأمير الجديد . وفى اليوم التالى مباشرة / وبنفس أسلوب الصياغة / جاءت رسالة جوابية من الأمير منصور قابلا بإمتنان رسائل التأييد والمبايعة ، وأكد بشكل خاص على شكره للظواهرى والقاعدة ، قائلا ( وفى المقدمة أقبل بيعة أمير تنظيم ” قاعدة الجهاد ” الدكتور أيمن الظواهرى وأشكره على أنه إلى جانب تعزيته ومواساته أرسل إلينا ببيعة جميع من تحت إمرته من المجاهدين). البيان الرسمى الصادر من الإمارة قال مرحبا بخطوة الظواهرى : { إن هذه الخطوة من فضيلته دالة على الإرادة المتينة للتنظيم الجهادى المذكور ، وعلى فراسته وحكمته ، حفظه الله ، وعلى العزم الراسخ للمجاهدين تحت إمرته ، وعلى تعهدهم لسلامة الأمة الإسلامية وصلاحها } .

محبة متبادلة أم كراهية مشتركة؟

أسئلة كثيرة تحيط بالمشهد كله ، والدافع وراء رسائل ” الود الزائد عن الحد ” بين منصور والظواهرى تضيف غموضاً أكثر . فعلى أكثر الإفتراضات بساطة ، فإن منصور والظواهرى جمعتهما عداوه مشتركة لتنظيم داعش الذى خاطبهما بما إعتاد عليه من فظاظة . وعلى الأرض عين داعش أميرا لمنطقة خراسان وأسقط شرعية الإمارة الإسلامية ، ويخوض هناك من آن لأخر قتالا ضد مجاهديها ومؤيديها ناعتا إياهم بالردة . فهل يستقوى منصور بالقاعدة ومن يدور فى فلكها من تنظيمات “السلفية الجهادية” فى مواجهة عدوانية داعش وتبجحها ؟؟ .

ــ ولكن الأمر ليس بهذه البساطة ، فليست طالبان مجرد منظمة من المراهقين السلفيين ، وشعبها الأفغانى ليس شعبا من الأسرى المرتهنين لدى تنظيم دموى وفوضوى ، كما هو حال شعب داعش فى العراق والشام . وفى الأخير فإن الأفغان ليسو هم عرب اليوم .

ثم أن تجربة الشعب الأفغانى مع تنظيم القاعدة لا يمكن أخذها بهذه السطحية . والأمر مرتبط بالموقف من تنظيم تسبب فى إشعال حرب مازالت دائرة منذ عام 2001 ، واستشهد فيها عشرات الألوف من الأفغان ناهيك عن الخراب الإجتماعى والدمار الإقتصادى للأغلبية العظمى من السكان .

يعلم قادة حركة طالبان أن القاعدة تسببت فى إشعال تلك الحرب ، وأن قادة القاعدة لم ينصاعوا لتوجيهات الملا عمر ـ أمير المؤمنين ـ رغم مبايعتهم له وتعهدهم بالسمع والطاعة (أو تمام السمع والطاعة حسب هتاف الدكتور الظواهرى فى أحد أهم اللقاءات بين الملا عمر والمتطوعين من غير الأفغان) . إفتعال القاعدة للحرب مع أمريكا بينما هى متمركزة فى أفغانستان حرم أفغانستان من أن تحظى بمثل التعاطف الذى حظيت به العراق فى الأوساط الشعبية العالمية والغربية.

صحيح أن الولايات المتحدة كانت تنوى الإستيلاء على أفغانستان منذ أن رحل عنها السوفييت، وظنت أن حكومة الإخوان فى كابول سوف تكون أداتها فى ذلك ، ولكن أفلت منها الزمام وسيطر طالبان على البلد وفرضوا الأمن والوحدة على أساس من تطبيقات الشريعة . ثم صار نشوب الحرب حتميا بعد أن منعت الإمارة زراعة الأفيون . ولكن أمريكا كانت تفتقد إلى ذريعة تبرر بها إعلان الحرب . ولم يكن لدى أفغانستان برنامج لتصنيع سلاح دمار شامل يمكن التذرع به لشن الحرب . ولكن القاعدة تكفلت بتوفير ذريعة للحرب بعملياتها ضد الولايات المتحدة . ثم كان الإدعاء الكاذب بوجود تنظيم القاعدة فى أفغانستان هو الذريعة الأكثر رواجا لإطالة أمد الحرب والتلاعب فى توقيت سحب القوات ، وعقد إتفاقات لإنشاء قواعد عسكرية وأمنية مع حكومة كابل .

ولا يكاد يخلو بيان للتجمعات الإقليمية فى آسيا ، مثل تجمع دول شنغهاى ، عن التذكير بخطر القاعدة والمجموعات المماثلة لها فى أفغانستان فى حال إنسحاب الإحتلال الأمريكى .

إذن القاعدة لم توفر فقط الذريعة لنشوب الحرب بل وفرت أيضا ذريعة لإطالة أمد الإحتلال ، ثم إستدامته بواسطة إتفاقات أمنية وعسكرية ، ونجحت فى حشد دول المنطقة ضد عودة الإمارة الإسلامية إلى الحكم مرة أخرى .

إذا كان الأمير منصور لا يدرك ذلك فتلك مصيبة ، وإن كان مدركا ومع ذلك يظهر ذلك المقدار المبالغ فيه من التقارب مع القاعدة فالمصيبة أكبر ، وربما ينبئ عن إتفاق استراتيجى مع الولايات المتحدة (وباكستان بالطبع ) على دور لأفغانستان فى المرحلة القادمة ، يحولها إلى قاعدة للعدوان وعدم الإستقرار فى الإقليم الأسيوى كله ، وأن طالبان/ بقيادتها الجديدة/ ستكون جزء من تلك الفوضى .

ــ فهل قرر الأمير الجديد إتخاذ “القاعدة” شريكا له فى المشهد القادم فى أفغانستان؟؟ . بالطبع ستكون الإجابة الرسمية ” لا ” كبيرة . ولكن ما هو الدليل على مصداقية ذلك النفى؟؟.

إن حركة طالبان مدينة لشعب أفغانستان بتوضيح ملابسات حرب 2001 ودور قيادة القاعدة فى إشعالها وتوفير ذريعة للغزو الأمريكى . وأن هؤلاء الضيوف قد ضربوا عرض الحائط بأوامر الملا عمر ( أمير المؤمنين ) التى كررها كثيرا ، إما بشكل شفهى مباشر أو عبر كبار مسئولى الإمارة وقتها .

لذا فإن على حركة طالبان أن تقدم إعتذارها للشعب الذى تكبد كل تلك المصائب ، ثم تتعهد له بتقديم كبار مسئولى القاعدة وعلى رأسهم زعيمها الحالى (أيمن الظواهرى) إلى المحكمة الشرعية لتحكم فيه بما تراه . ولهذه المحاكمة قيمة معنوية كبرى حتى لا يكون هناك أحد يدعى الزعامة واضعا نفسه فوق قانون الشريعة ، وتأكيدا لمبدأ أن الإساءة إلى الشعب والإضرار بمصالحة ستقابلها عقوبات شرعية موازية لمقدار الجرم .

أما التسامح مع من أجرم وإظهار المودة والصداقة له فهو يعطى إنطباعا ، نتمنى أن يكون خاطئا ، بأن القيادة الجديدة لا تقيم إعتبارا لرأى شعب أفغانستان أو مصالحة ، وتنوى المضى قدما بعكس ما يريد ذلك الشعب ، لأن إعتبارات الخارج أقوى لديها من إعتبارات الداخل . وهذا يعرض البلد لعواصف من الإضطراب والعنف . وفى النهاية قد تتحول حركة طالبان من أمل ونموذج مثالى إلى مجرد”وهابية قتالية جديدة” تخدم مصالح خارجية وتحترف القتل والدمار وإشاعة الفوضى فى المنطقة لصالح الولايات المتحدة وبتمويل من دول الخليج . ثم تتصارع مع منافسيها من شركات ” الوهابية القتالية “على إقتسام مقاولات الحرب فى الإقليم ، على غرار ما هو حادث بين تلك التنظيمات فى المنطقة العربية.

إن ” الوهابية القتالية ” لم تظهر قدرة على الثبات ، فلا ثبات فى الهدف أو المبدأ أو التحالف أو البيعة . لقد بايعوا الملا عمر ونقضوا البيعة وهم مازالوا على أعتاب مكان الاجتماع . بل كانوا يبيتون نقضها قبل عقدها . قائد الحركة الإسلامية الأوزبكية (الشهيد محمد طاهر) إتهم قائد وهابى أسيوى بأنه يطبق مبدأ “التقية” فى تعامله مع الإمارة الإسلامية ، فبعد البيعة بدقائق وصف ذلك القائد الأسيوى ” الإمارة الإسلامية ” بالكفر ، وقال أنه أدى البيعة لأنه مضطر إلى إستخدام أراضى أفغانستان (!!) . وكثيرون جدا هم ذلك الزعيم الأسيوى .

ألغام نقض البيعة

رسالة الظواهرى للأمير منصور مليئة بألغام نقض البيعة . فأسباب منحه للبيعة فى معظمها غير قابلة للتحقيق ، أو حتى محاولة التنفيذ . وإن إيرادها فى أدبيات تلك الجماعات ليس لشئ سوى المزايدة لإكتساب متحمسى التيارات الفوضوية ، أو لتغطية التورط فى برامج دولية لا يمكنهم الإفصاح عنها . فالشعار الدينى ضرورى للتغطية على مشاريع التلاعب فى الجغرافيا السياسية أو مشاريع شركات النفط العملاقة . يقول هنرى كيسنجر أحد كبار منظرى إفساد العالم ” لقد تم تسليح الدين ليكون فى خدمة الجغرافيا السياسية ” . وكأنه يعنى الوهابية القتالية بقوله “الشرق الأوسط سيشهد حربا طائفية لمدة مئة عام” ، وفى خدمة كيسنجر فليتنافس المتنافسون من “الجهاديين” أصحاب الشعارات الصاخبة ، التى ليس لها أى حظ من إمكانية التنفيذ سوى أن تكون ستارا دينيا لتطبيق نظريته سالفة الذكر .

فما هو العقل والمنطق فى مبايعة الظواهرى لأمير الجهاد فى أفغانستان على الجهاد ( لتحرير كل شبر من ديار المسلمين المغتصبة السليبة من كشاغر حتى الأندلس ، ومن القوقاز حتى الصومال ووسط أفريقيا ، ومن كشمير حتى القدس ، ومن الفلبيين حتى بخارى وسمرقند). فأى مشروع هذا ؟؟ ومن سيقوم بتنفيذه ؟؟ وما هو دور القاعدة والوهابية القتالية فيه ؟؟ . بل أين هو كشف حسابها فى كل ـ نكرر كل ـ المواقع التى عملت بها ؟؟ . هل هناك غير التدهور والفشل والخراب بلا أى أفق أو أى أمل ؟؟ .

مستقبل أفغانستان .. بيد من ؟؟

ولم يتطرق الظواهرى للحديث عن أفغانستان وشعبها ومستقبلها سوى بقوله فى نهاية رسالة البيعة : { ثم شرفكم الله سبحانه بالوقوف فى وجه الحملة الصليبية ، وشرفكم بحفظ إخوانكم المهاجرين والدفاع عنهم ، والتضحية بالملك والسلطان والنفس والمال من أجل حفظهم فاستمروا على ذلك} .

لقد تسببت القاعدة فى إشعال الحرب وجلب الخراب على أفغانستان بمعصية الأوامر المباشرة والمؤكدة والمكررة من أمير المؤمنين الملا عمر ، ولكن الظواهرى إعتبر ذلك شرفا منحه الله سبحانه للأفغان ، وليس جريمة من القاعدة فى حق ذلك الشعب وإمارته الإسلامية جزاء المعروف والخدمة والإيواء والدفاع والتضحية بالملك والسلطان . ثم يقول (واستمروا على ذلك ) !! ـ فهل هناك خطة للإستمرار على ذلك المنوال فى المستقبل ؟؟ . هل تنوى القاعدة العودة إلى أفغانستان لشن الحروب وتحرير العالم وفق القائمة المرفقة مع البيان ، والتى تغطى قارات العالم القديم فى آسيا وأفريقيا وأوروبا ؟؟ .

كم عدد الفيالق التى أعدتها القاعدة وداعش والنصرة وباقى “الفوضويات القتالية” لتنفيذ ذلك البرنامج الطموح ؟؟ ، وما هو إستعداد شعب أفغانستان لتحمل ألف عام من القتال فى سبيل ذلك الهدف السامى ؟؟ ، وما هو إستعداد الشعوب الإسلامية لدفع فلذات أكبادها للقتال تحت رايات داعش والقاعدة وقيادة مخابرات العالم ، من باكستان إلى تركيا والخليج إلى الولايات المتحدة والناتو؟؟ . وما مدى إشتياق شعوب العالم لإستقبال جيوش المحررين بأعلامهم السوداء وسيوف قطع الرقاب ؟؟ . وما هو النموذج الأخلاقى الذى يقدمه الجندى الوهابى الفاتح ؟؟. أليس هو نفس ما أبهجت به داعش شعوب الأرض وصار مثالا للهمجية التى قل نظيرها فى التاريخ ؟؟ .. وهل هكذا ينتصر الإسلام ، وتشرق الأرض بنور ربها ؟؟.

# والآن ما هو موقف الملا منصور ( أمير الجهاد ) وما مدى علمه بأبعاد رياح السموم التى تهب على أفغانستان قادمة من بلاد العرب ؟؟ . رياح الوهابية الفوضوية التى تنسال رسائل المودة والرضا بينه وبينها ؟؟ . فهل نفهم من ذلك شكل المستقبل القادم لأفغانستان برعاية أمريكية وباكستانية وخليجية ؟؟ . هل هذا الشعب النبيل يسير صوب مستقبل داعشى / قاعدى شبيه بما حدث لشعوب العراق وسوريا ؟؟.

أ لهذا أزيل الملا عمر فى هذا التوقيت بالذات ؟؟.

وأزيل بن لادن قبل ذلك ، فى توقيت دقيق ومشابه ، تمهيدا لبزوغ كارثة داعش ؟؟.

ومن هى تلك اليد البارعة التى تمسك بعصى الإيقاع لهذه المعزوفة “الجهادية” ؟؟.

تصرفات الأمير منصور وحدها هى التى ستعطى الإجابات الصحيحة فى قادم الأيام .

بقلم :
مصطفي حامد (ابو الوليد المصري) 17-08-2015
copyright@mustafahamed.com
المصدر :
www.mustafahamed.com