نهاية العالم فى مضيق هرمز ( 2 من 4 )

0

نهاية العالم فى مضيق هرمز

( 2 من 4 )

إيران ثورة حاصرت نفسها

ثورة إيران حاصرت صفتها الإسلامية منذ وقت مبكر ، وتحديداً عندما فشلت فى إستبعاب أهل السنة فى إيران الذين لم يظهر لهم أثر فى المناصب المهمة فى الدولة. وقد تسببت الحرب العراقية الإيرانية فى وضع أهل السنة هناك فى مرتبة المشكوك فى ولائهم الوطنى . وزاد فى الأمر سوءاً الهجوم الإعلامى المرير من حكومات عرب الخليج ضد الثورة ونظامها ، وتحريض السنة فى إيران على الثورة . النتيجة كانت عكسية والنظام الجديد فى إيران هو الذى بادر بفرض المزيد من الحصار والعزلة والإقصاء على أهل السنة هناك .
النتيجة الأهم هى أن النظام نزع عن نفسه صفة “الإسلامية ” الشاملة وحشر نفسه فى حالة “المذهبية ” الضيقة ، فخسر فرصة إنتشار مفاهيم الثورة خارج حدوده الوطنية ، وضاعت منه فرصة كانت مواتيه جدا حين تعاطفت جماهير الشعوب الإسلامية ، والعربية بشكل خاص ، مع تلك الثورة الداعية الى رؤية إسلامية تنادى بالتحرر من السيطرة الإستعمارية الأمريكية ، وإلى العدالة الإجتماعية .
وحين تنحصر مبادئ ثورة داخل حدودها الوطنية يبدأ إنحسار تلك المبادئ داخل تلك الحدود حتى تلفظ أنفاسها . فالثورات الحقيقة تكون إنسانية الطابع ، وتلبى إحتاجات جميع البشر لذا فهى عالمية التكوين ، فلا يمكن أن تكون هناك ثورة  طائفية أو وطنية أو قومية .
ومع هذا ظلت ” الثورة الإسلامية ” فى إيران مستحوذة على مشاعر وتأييد جماهير الفقراء ومتوسطى الحال فى ذلك البلد ، والسبب كان فى صدق الإلتزام بمبدأ العدالة الإجتماعية . وأبرز تجليات تلك العدالة كانت نظافة يد كبار مسئولى النظام وجدية محاسبة المنحرفين حال ضبطهم .  وإستمر ذلك النقاء الثورى طوال فترة الحرب مع العراق. لهذا دافع الشعب عن ثورته وأرسل فلذات أكباده كى يبذلوا أرواحهم بلا حساب أو تردد عبر تشكيلات المتطوعين فى الحرس الثورى ، فتحملوا معظم عبء الدفاع . فالجيش قد تم حله تقريباً فى إعقاب  الثورة حيث كان ولاء الجنرالات وكبار الضباط هو لنظام الشاة وللولايات المتحدة وإسرائيل . فكان الحرس الثورى هو جيش الشعب والبديل الفعلى للجيش الملكى الفاسد .
مع نهاية الحرب مع العراق ووفاة قائد الثورة (الإمام الخمينى) بدأت مرحلة من التراجع الحقيقى عن مبادئ الثورة , ومحاولات لتملق الغرب وتلبية العديد من مطالبة على المستويين الداخلى والخارجى .
تم ذلك على مراحل وبالتدريج . فتراخى الإلتزام الذى كانت ترعاه الحكومة على الحياة الإجتماعية . والإعلام فتح أبوابه لتيارات شتى معظمها يمالئ النظام الإسلامى ظاهرياً وينشر الثقافة والقيم الغربية التى أفسدت المجتمع قبل الثورة . وأصبحت وزارة الثقافة تجمعاً ثابتاً للقوى المضادة للثورة والنظام الإسلامى .
ومن تلك الوزارة جاء (السيد خاتمى) أشهر نجوم الثورة المضادة فى إيران ، وهو تلميذ مخلص لرجل الدولة الأول (هاشمى رفسنجانى) الشخصية الأهم فى تاريخ إيران الحديث ومؤسس الإنسلاخ الحقيقى عن “الثورة الإسلامية” كما أرادها قائدها “الإمام الخمينى”. فمنذ وفاة مؤسس الثورة تبوأ هاشمى مرتبه رجل الدولة الأول , وبصفته من الأثرياء قبل الثورة ومن عائلة تجارية كبيرة , كان ولاؤه الحقيقى هو لطبقة الأثرياء الذين فتح لهم أبواب الإنسياح فى ثروات الدولة . ورافق ذلك موجة كبيرة من الفساد ، وذلك منطق ملازم للتمدد الرأسمالى المنفلت ، والمستند إلى سلطة سياسية ذات سطوة مادية ، أو قدسية معنوية من أى نوع ، سواء كانت أيدلوجية وضعية أو دعاوى دينية ، حقيقية أو مزيفة .
ولمدة أربع دورات رئاسية مدتها سته عشر عاماً كاملة ، تقاسمها رفسنجانى مع تلميذه خاتمى ، تقهقرت الثورة كثيراً داخل مجتمعهاً الإيرانى نفسه , فتوسعت الهوة بين الشعار والتطبيق سواء فى الممارسات الإجتماعية أو فى تصدع مبدأ العدالة الإجتماعية وطغيان الرأسمال المتوحش وسيطرته على مفاصل عديدة وهامة فى الإقتصاد , إلى أن صار قادراً على التأثر فى القرار السياسى للحكومة بإفتعال الأزمات الإقتصادية والتموينية التى تمس حياة المواطن ، بل وقادر على التأثير على توجهات الدولة نفسها فى السياسة الخارجية .
الإزدواجية صارت واضحة بإتساع الفجوة ين الشعار والتطبيق , فتقلصت الثقه فى النظام بين شرائح الشعب . الخسارة الأكبر كانت فى قاعدة النظام داخل الطبقة المتوسطة من الشباب المتعلم والمثقف ، وزحفت الخسارة صوب الطبقات الشعبية ولكن بدرجة أقل بكثير .

 

أمريكا تعاقب فقراء إيران

فتلك الطبقات فى المدن والأرياف هى طبقات متدينة إلى درجة كبيرة , سواء مارست العبادات والطقوس أم لم تمارس , كما أن النظام ظل يقدم قدراً من الخدمات لمواطنيه الفقراء هى كبيرة بالفعل . ورغم شعور الفقراء أن مكتسباتهم تقلصت وأن النظام الدينى يعانى من إزدواجية متزايدة إلا أنهم ظلوا متمسكين به , وإليهم يرجع الفضل فى صموده فى وجه محاولات مستميته قادمة من الداخل والخارج  من أجل الإلتحاق بالمنظومة الغربية فى مجالات السياسة والإقتصاد والثقافة . الرأسمالية المتوحشة فى الداخل الإيرانى تسعى إلى ذلك الإلتحاق لأن أرباحها من النظام الإقتصادى الدولى ستكون هائلة . ولكن شروط تحقيق ذلك الإلتحاق سوف تقضى على ما تبقى من مكاسب للفقراء حققتها لهم الثورة .
ولعلنا نلاحظ أن العقوبات الأخيرة التى فرضتها الولايات المتحدة ودول  الإتحاد الأوروبى على إيران تستهدف تحديداً تلك الطبقات الإجتماعية المساندة للنظام , لأن تلك  العقوبات ربما تقضى على الخدمات الحكومية التى تصل إلى تلك الشرائح .
فتجويع الفقراء الذين هم قاعدة النظام قد يدفعهم إلى الإنقلاب عليه ، كما يأمل فى ذلك الغرب . ولكن الأخطر من العقوبات وما يتبعها من جوع للفقراء هو الخلل الكبير فى مبدأ العدالة الإجتماعية , وتلك هى مهمة الرأسمالية المتوحشة فى إيران بأن يكون مجرد ظهورها الإستفزازى نموذجاً أمام الفقراء يثبت لهم أن النظام قد خانهم بالفعل , وأن الفئة الغنية تزداد  غنى ورفاهية خاصة فى ظل الأزمات والعقوبات .
وهكذا تتقاسم أمريكا والرأسمالية المحلية المتوحشة الأدوار فى عملية تحطيم مقاومة الشعب الإيرانى ودفعه نحو الإستسلام الكامل للإرادة الأمريكية وسطوة وحوش المال .
وعزلة إقليمية أيضاً
وكما عزل النظام نفسه داخلياً – إلى حد ينذر بالخطر – قامت الدولة فى إيران بعزل نفسها إقليمياً . وفى كلا العزلتين يرجع “الفضل” إلى نفس الرجل “رفسنجانى” الذى تبوأ منصباً ثابتاً فى جميع العهود يمكنه من رسم سياسة النظام حتى أنه ترأس مجلساً خاصاً يحمل نفس الصفة أى (تشخيص مصلحة النظام).
لقد عملت الولايات المتحدة بكل نشاط على إحباط مجهودات النظام الإيرانى لفك الحصار الإقليمى عن نفسه , ولكن أخطاء السياسة الإقليمية للنظام  قامت بدور لا يقل أهمية فى الإضرار بالمركز الإقليمى لإيران وفى الإضرار بمصالحها على المدى الطويل , وبالتالى وقوعها فى الحصار الإقليمى القاسى الذى تعيشه الآن .

 

مشكلة مع الشاطئ الغربى

هناك مشكلة مزمنة للنظام الإيرانى مع جيرانه على الشاطئ الغربى من الخليج, وهى مشكلة فى حقيقتها تتصل ببداية النظام “الثورية” التى أطاحت بشاه إيران شرطى الخليج السابق .
وبما أنه كان نظاما ملكيا موالياً للغرب ، فقد شعر الأقران على الشاطئ الغربى بالخطر من جراء إزاحته بطريقة ثورية وشعار إسلامى وتوجه حقيقى نحو العدالة الإجتماعية ومصالح الفقراء وعداء صريح مع الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية .
الدوافع الحقيقية للعداء لم تظهر إلى العلن بل تم  تغليفها عربياً بأغلفة قومية أو مذهبية أو خلافات على ملكية جزر فى مياه الخليج أو حتى على مجرد تسمية الخليج بالعربى وليس بالفارسى .
كل أسباب العداء تلك كانت موجودة أثناء الحكم الإمبراطورى فى إيران , ولكن أقران الشاطئ الغربى , إستدعوها فقط بعد إسقاط الملكية فى إيران وفقدان أمريكا لمكانتها المسيطرة على الشاطئ الفارسى من الخليج .
كل ذلك مشهور ومفهوم , ولكن الأكثر غموضاً وغرابة هو موقف إيران تجاه جيرانها إلى الشرق والشمال وتحديداً مع شعوب أفغانستان والعراق فى خلال عملية الغزو الأمريكى لهذين البلدين وما أعقب ذلك من مقاومه شعبية للإحتلال .
والمفاجأة كانت أن النظام (الإسلامى) الذى قام على شعارات كان من أهمها العداء الأمريكا التى نعتها بالشيطان الأكبر, هذا النظام نفسه كان سنداً للأمريكيين فى إحتلال هذين البلدين!! .
فهل يمكن أن يكن النظام  فى طهران هو نفسه فى الحالتين ؟؟ , أم أنه تخلى عن أهدافه ومثالياته الثورية ؟؟ , أم أن إنقلاباً هادئاً وقع على قمة هرم السلطة فتغير كل شئ ما عدا الشعارات القديمة التى ظلت تتردد كألفاظ خاوية من المعانى؟.

 

بقلم  :
مصطفي حامد (ابو الوليد المصري)
المصدر  :
مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world



ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا