رؤية لدور أفغانستان فى النظام الدولى القادم (2)

0

عودة إمارة أفغانستان الإسلامية
رؤية لدور أفغانستان فى النظام الدولى القادم ـ 2ـ
( قراءة فى بيان أمير المؤمنين الملا محمد عمر)

أفغانستان بيت إسلامى ترتكز قوته على:
العدالة الإجتماعية ـ الشورى والمشاركة ـ نبذ الفرقة والخلاف

بقلم :
مصطفي حامد ابو الوليد المصري
المصدر  :
موقع مجلة الصمود (إمارة أفغانستان الإسلامية)
http://124.217.252.55/~alsomo2

تسعى العديد من الدول إلى تهيئة مكان مناسب لها فى النظام الدولى القادم المتوقع أن يبزع فور إنسحاب الجيش الأمريكى وحلف الناتو مدحورين من أفغانستان .

والهزيمة بهذا الشكل تأخذ صفة حضارية ـ أى أنها هزيمة للحضارة الغربية بأكملها وحلول حضارة أخرى محلها فى توجيه العالم وليس السيطرة عليه .

وقد تحدثنا حول الخطوط العامة لذلك النظام فى المقال السابق.
وسوف نتابع فيما يلى الحديث عن البناء الوطنى الداخلى فى ظل نظام دولى جاء على أساس الإنتصار الأفغانى.

بعض دول العالم لديها قدرات كافية، وطموح يبدو مشروعا بالنسبة لها على الأقل، لأن تحتل موقعا متميزا فى ذلك النظام/الذى ستكون قارة آسيا مركزه/ ولا يمكن له أن يكون أحاديا ، أوحتى ثنائيا . فالأغلب أنها عدة كيانات أو تكتلات يشغل كل منها حيزا على ساحة التأثير الدولى ، وفق فلسفة جديدة أكثر إنسانية وحضارية. لذا فإن الإسلام /وتحديدا فى أفغانستان أو بقيادة أفغانية/ سيكون له مكانا متميزا فى صدارته. حيث أن الإسلام هو القيمة الحضارية المنتصرة التى أزاحت الغرب عسكريا من ساحة الصراع بعد حروب إستمرت قرنا ونصف، على أرض أفغانستان، ضد قوى الغرب العظمى بدءا من بريطانيا العظمى مرورا بالاتحاد السوفيتى وإنتهاء بالولايات المتحدة وحلف شمال الاطلنطى، الذى يجمع الحزمة الأوروبية كلها تقريبا .

هذا الشعب المسلم العظيم فى أفغانستان ، سيتصدر بجدارة قلب المشهد الإسلامى كله ـ وبلا منازع ـ وإن كان بتأييد طوعى وتضافر تلقائى من باقى الكتل الإسلامية. فقد أثبت بالفعل أنه نموذج للإيمان والعقيدة التى يمكنها صنع إنسان قادر على فعل المعجزات وهزيمة أعتى القوى المادية .
لذا ستكون لذلك الشعب ورسالة الإسلام التى يحملها دورا غاية الأهمية فى النظام الدولى القادم .

ويمكن القول أن الإسلام سيكون ضمير الحضارة العالمية فى دورتها الأخلاقية والروحية القادمة ـ كما كانت الصهيونية التلمودية ضميرا لحضارة الغرب لثلاث قرون دامية ومظلمة مضت إلى غير رجعة .

فالعالم سيكون مهيئا لإستقبال الإسلام كما تتهيأ الأرض العطشى لإستقبال المطر. والإنسياج الإسلامى فى الأرض سيكون طوعيا وسلساً وسهلا ، لأنه مطلب لمليارات الأرواح البشرية التى مزقها القهر والظلم الغربى . ولا يعنى ذلك أن المسلمين أنفسهم سيحصلون على حقوقهم بنفس السهولة وبغير معاناة وجهاد شاق.

من هنا نفهم عظمة وخطورة الدور الأفغانى فى المرحلة الحضارية القادمة التى أوشكت على البزوغ من فوق جبال الهندوكوش.

 ليس بالإدعاء الأجوف والصوت المرتفع كالطبل يدعى الأفغان ذلك الدور الريادى، بل إن الأحداث الممهورة بالدم أثبتت على مدى قرن ونصف أن الشعب الأفغانى هو المؤهل الأول لحمل تلك الرسالة العالمية . وأن قيادته الإسلامية المنتصرة ستكون القيادة الموجهة على الأرض الأفغانية ثم فى المنطقة المحيطة بأفغانستان ثم على النطاق العالمى .

.. ولكن ما هى ملامح الوضع الأفغانى القادم ؟ …

أول المهام التى ستواجه ” الإمارة الإسلامية ” فى عودتها الثانية هى معالجة آثار الحروب المتصلة التى عصفت بالوطن الافغانى ، فعانى منها دمارا ماديا وجروحاً إجتماعيا عميقة ، ومشاكل إقتصاية معقدة ، ووضع ثقافى عليه تركزت الهجمات وعانى الثقل الأعظم فى تلك الحروب والحملات الغربية المتصلة ، خاصة فى الحملة الأمريكية /الأوروبية الأخيرة التى كانت الأشد قسوة وهمجية واستهدافا للثقافة الإسلامية والقيم الإجتماعية لدى الشعب الأفغانى .

… العدل أساس الحكم ـ
بلا شك أن شعار الحكم فى المرحلة القادمة للإمارة الإسلامية سيظل ثابتا كما كان وهو “العدل” ـ تلك القيمة الغائبة عن العالم أجمع وفى مقدمته بلاد المسلمين. ثلاثة مبادئ للحكم الإسلامى الصالح أوردها القرآن الكريم فى متواليه متصلة تهز الكيان البشرى من الأعماق حيث قال ” إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى..” .

ببساطة فى ثلاثة كلمات لاغير تكمن وصفة علاج الحكم وشفاء المجتمع . ولمثلها أشار أمير المؤمنين الملا محمد عمر فى بيانه الذى أوضح فيه أن العدل والتسامح والعفو سيكون الشعار فيما بعد الإنتصار وإندحار العدو . بالطبع فإن ذلك لا يشمل كبار المجرمين والخونة الذين لم يتوبوا قبل أن تصل اليهم يد العدالة فى الإمارة الإسلامية .

.. المساواة بين الناس ـ
ومن العدل تتفرع كل القيم العظيمة التى يقوم عليها الحكم الرشيد والمجتمع المتعافى . قيم مثل المساواة بين الأفراد . فذلك من العدل، كون جميع الناس يعودون إلى أب واحد وأم واحدة وأصل واحد هو التراب. فلا ميزة لأحد على أحد إلا بالتقوى .

والمساواة بين الناس هى إحدى صور العدل التى نص عليها الخالق فى كتابة وسنة نبيه . وليس من حق أحد كبيرا أوصغيرا ـ حاكما أو محكوما ـ أن يتجاوز على الحقوق الشرعية للناس خاصة الضعفاء منهم الذين يتمتعون برعاية وحماية خاصة من الحاكم المسلم .

… الشورى ـ
والشورى وحرية إبداء الرأى لكل الناس هى من الضمانات الرئيسية فى الحكم الإسلامى العادل. فليس فيه إستبداد بالرأى ولا إحتكار للحرية السياسية والفكرية . كل ذلك بالطبع فى إطار القيم الإسلامية وسيادتها على المجتمع .

وهذا يمكن مداواة جروح سنوات الحرب الطويلة ـ ومحاولات الأعداء المستمرة لشق الصفوف وبذر الفتن ، وتأليب الناس بعضهم على بعض وتحويل الخلاف البسيط إلى شقاق عظيم يؤدى الى هدر الدم وهتك الحرمات، وفتح الباب لكافة أنواع الأعداء من الخارج كى يمدوا أيديهم بالتخريب وتقوية صفوف النفاق فى الداخل وإمداد المنافقين بالمال والسلاح لتخريب البلد . وقد رأينا كل ذلك فى واقعنا العملى الذى يعرض علينا مآسيه فى كل لحظة .

 بأقل قدر من الكلمات الجامعة عبر بيان عيد الفطر لأمير المؤمنين. ونعود إليها هنا للتأكيد والإيضاح :

{{ إن هدفنا من الكفاح هو تحرير البلد من السيطرة الأجنبية وإقامة حكم إسلامى عادل فيه . وكل الطرق التى تؤدى بنا إلى هذا الهدف مفتوحة . إلا أن التفكير فى السبل المؤدية إلى هذا الهدف يكون مجديا حين يكتسب البلد حريته كاملا وحين لا تكون هناك جيوش محتلة تمسك بزمام الأمور}} .

… التحرير أولا ـ
وفى ذلك مثل عظيم الأهمية فى ترتيب الأولويات . فالتحرير يأتى أولا ومن بعده تأتى إقامة النظام الإسلامى القائم على العدالة الإجتماعية.

وللتأكيد نقول أن العدل هو قيمة عظمى حتى أن أى نظام لايحقق العدل بين جميع أفراد المجتمع لا يستحق أن يطلق علية صفة ” نظام إسلامى”، حتى لو خادع الناس بإقامة بعض الحدود على ضعفاء الناس.

“التحرير أولا” درس بليغ آخر لمن نادى بإقامة نظام إسلامى حكم تحت حراب الإحتلال. وظن أن صناديق الإقتراع والأصابع الملوثة بدم الخنزير الفاسد يمكنها أن تحقق العدالة. ولنا فى إنتخابات أفغانستان والعراق خير برهان.

كما أن مطالبة حكومة تعيش تحت ظلال الإحتلال وتحت هيمنة المحتلين وحراب جنودهم بأن تطبق الشريعة، لهو ضرب من الإختلال المريع.

فالشريعة لايطبقها إلا أحرار لهم كامل الإختيار فى تقرير شئونهم، فيختارون تطبيق الشريعة طواعية وتحت سلطان الله وحده وليس سلطان المحتل أو أى قوة تدير البلاد عن بعد بواسطة “التليفون” أو “الرومت كونترول” أو مجرد موظف بدرجة سفير أجنبى.

ولعلنا الآن ندرك الخطأ الذى وقع فيه هؤلاء الذين طالبوا من حكومة الصومال التى تعيش الإحتلال الأجنبى أن تطبق الشريعة الإسلامية. وخطأ هؤلاء الذين طالبوا بتطبيق الشريعة فى مناطق سكنهم ضمن إطار دولة يديرها الأجانب وتحارب الإسلام وشرائعة ليلا ونهارا.

فتطبيق الشريعة والنظام الإسلامى لاتجتمع أبدا مع الإحتلال الأجنبى للدولة، أو تواجد قواعد عسكرية لجيوش دول أجنبية تحارب الإسلام بالمال والسلاح والدعاية والإعلام. لابد من دولة حرة وشعب حر حتى يكون الخضوع لشريعة الله وحدة وليس شريعة الجيش الأجنبى.

ذلك الدرس الهام فى بيان أمير المؤمنين ذو أهمية كبيرة للمجاهدين فى سبيل الله فى كيفية ترتيب الأولويات بشكل صحيح حتى لا تضطرب المسيرة.

… المرونة فى التطبيق ـ
ثم فى جملة تبدو إعتراضية يوضح البيان درسا آخر لايقل أهمية حين يقول:
{{ وكل الطرق التى تؤدى بنا إلى ذلك الهدف مفتوحة}}.

وذلك يعنى أن “العدل” هو الغاية العظمى للنظام الإسلامى، أما وسائل تحقيق تلك الغاية فلها صور كثيرة ومتنوعة وتتغير بتغير الزمان والمكان ومن مجتمع إلى آخر ضمن الزمان الواحد. فلكل مجتمع درجة من التطور الإجتماعى والثقافى، ودرجة من الموروثات الإجتماعية والضمير التاريخى السارى عبر الأجيال. كل ذلك يؤثر ليس فى مضمون العدل ولكن فى السبل الضرورية للوصول إليه.

على سبيل المثال مبدأ الشورى كوسيلة لتحقيق العدل فى الحكم والمساواة بين الناس، ذلك المبدأ يمكن تحقيقه بأساليب شتى وتكوينات مختلفة تؤدى وظيفة الشورى بدرجاتها المختلفة سواء للحاكم الأعلى أو الحكومة وأجهزتها التنفيذية، وسواء كانت الشورى على مستوى الدولة أو مستوى الأقاليم، أو حتى مستوى القرية أو المدرسة.

قد يعتقد البعض خطأ أن الديموقراطية يمكنها أن تحل محل نظام الشورى فى المجتمعات الإسلامية.أو أنها يمكن أن تحقق العدالة الإجتماعية وحرية الفرد.

لن نفند ذلك الإدعاء بل نحيله إلى الواقع العملى فى عقر دار الديموقراطية الغربية لنرى إلى أى حد وصلت بهم تلك المهزلة المخادعة المسماة “ديموقراطية” والتى لا تعنى سوى سيطرة قلة من فائقى الثراء على دفة الأمور فى المجتمع. وقد إنتهى بهم الأمر إلى مانراه من رقابة بوليسية شاملة، ظاهرة أو خفية، على جميع المواطنين بدعوى حمايتهم من الإرهاب الخارجى ( الذى هو إسلامى فى معظم الأحوال). والحقيقة هى أن تجربتهم السياسية والإقتصادية قد وصلت إلى درجة الإفلاس بحيث لم تعد قادرة على المضى إلى أبعد من ذلك. بل لم يعد يمكنها حتى المحافظة على وضعها الحالى نظرا ليقظة الشعوب وسعيها إلى السيطرة على ثرواتها التى تغتصبها تلك الديموقراطيات الإجرامية. فحسب إحصائياتهم يقولون أن 6% من سكان العالم يسيطرون على 48% من ثروات الدنيا. ونعتقد أن تلك النسب على خطورتها غير صحيحة وأن الواقع أكثر مرارة من ذلك. فنسبة أقل من ذلك من السكان يسيطرون على نسبة أعلى من الثروات.

تلك الجملة الإعتراضية فى بيان أمير المؤمنين توضح المرونة الكبيرة فى إتباع الأساليب العملية المبتكرة والموافقة للواقع. ذلك مع ثبات الهدف الإسلامى العظيم وهو تحقيق العدالة. تلك المرونة تمنع التجمد فى قوالب قديمة تخطاها الزمن رغم أنها كانت مناسبة فى الزمن الذى إبتكرت فيه. فالإسلام ثابت فى مبادئه وتعاليمة، متغير فى الأساليب المتبعة لتحقيق تلك الثوابت، مادامت هى الأخرى ـ أى الأساليب ـ لا تخالف الشريعة فى شئ.

… المشاركة فى السلطة ـ
ومن مظاهر العدل الإجتماعى فى الإمارة الإسلامية هو ما أشار إليه بيان أمير المؤمنين فى الفقرة التالية:

 {{ إن إمارة أفغانستان الإسلامية تريد من جميع الأبناء الأوفياء للبلد ـ بعد خروج القوات المحتلة ـ أن تكون لهم المشاركة فى الحكومة وإقامة النظام. لأن الأمور العمرانية والإقتصادية والسياسية والتعليمية والثقافية للبلد لايمكنها أن تتجه نحو الرقى إلا بمشاركة المخلصين وأصحاب التجربة من العلماء والمتخصصين من أبناء البلد.

إنه من حسن الحظ أن عددا كبيرا من أبناء هذا البلد فى الداخل والخارج من ذوى التجارب والإختصاص من أصحاب الكفاءة العالية لايعترفون بالإحتلال ولا بالإدارة العميلة التى أقامها المحتلون بل يسعون لإقامة نظام إسلامى حر فى هذا البلد.

إن إمارة أفغانستان الإسلامية تخطط لما بعد الإحتلال فى ظل نظام العدل الإجتماعى للإسلام، لبرامج للتنمية إلإقتصادية والإجتماعية لمستقبل هذا البلد.

فهى تسعى لتنمية البنية التحتية للإجتماع والإقتصاد وتطوير التعليم والصناعة والتنمية الزراعية فى البلد }}.

إنها إذن المشاركة السياسية الواسعة من جانب أبناء الشعب كلهم. وفتح الباب لأصحاب الإختصاص والتجربة من العلماء والمختصين. فليس هناك إستئثار بالسلطة من جانب أى فئة مهما كانت. ولا تقريب لأصحاب الولاء للحاكم على أصحاب الخبرة. بل الباب مفتوح لجميع المخلصين ـ الأوفياء للبلد ـ الذين لم يخونوا ويظاهروا المحتل.

والباب مفتوح أيضا لمن هم خارج البلد من أبنائه الذين عارضوا الإحتلال والإدارة العميلة التى أنشأها. هؤلاء المخلصون لن يواجهوا التمييز، ولكل منهم أن يتقدم حسب كفاءته وليس لأى إعتبار آخر.

… فتح باب التوبة ـ
من أجل تماسك البنيان الداخلى للإمارة ـ فإن باب الإنضمام إلى صفوف الشعب المسلم بقى مفتوحا حتى أمام هؤلاء الذين إنزلقوا فى هاوية التعاون مع المحتل بداوفع الطمع فى المال أو فى الجاه والسلطة. ومن أجل إغلاق أبواب الفتنة بين شرائح المجتمع تسعى الإمارة إلى إنتشال حتى تلك الفئة من براشن المحتل وغوايته. فتوجه إليهم الإمارة النداء التالى ضمن البيان المذكور :

{{ إن إمارة أفغانستان الإسلامية تـنبه مرة أخرى المواطنين الذين يعملون فى إدارة كابول العميلة ، ويشدون من عضد الإستعمار بوقوفهم، وتقول لهم إن المستعمرين يتقوون بسواعدكم ويستمرون فى إحتلالهم للبلد . إن المحتلين يسيئون إلى جميع قيمنا الإسلامية ، ويسعون من خلال مخططات مدروسة نشر المسيحية والدعوة إليها . وينهبون إقتصاد البلد. إن إمارة أفغانستان الإسلامية تفتح طريق الأمن أمام جميع من يترك طريق الغدر والخيانة للشعب والوطن .

وليعلم الناس جميعا أن إنتفاضتنا الشعبية الشاملة ضد المحتلين هى كالسيل العرمرم يجرف كل من يقف فى طريقه .

إن الظلم والتعذيب والمؤامرات والتحالفات والجنود المرتزقة لا تقدر على سد طريق هذه الحركة الجياشة . ولكى نكون قد قمنا بأداء مسئولياتنا الإيمانية والتاريخية ينبغى أن نقف إلى جانب شعبنا ضد المحتلين . وبشكل خاص يجب على من يتسمون بالمجاهدين القدامى فى الحكومة العميلة أن يعيدوا مكانتهم الجهادية بالوقوف فى صف الجهاد وترك صفوف الكفار }} .

البيان فى مقطعة الأخير يلمس وترا حساسا بل مأساة مخجلة . حين تورط قادة كانو كبارا وقت الجهاد ضد السوفييت وملأوا الدنيا ضجيجا حول نواياهم فى إقامة دولة إسلامية ، حتى ذهب كبيرهم إلى القول بأنه يفضل ان يكون ” ساعيا” فى حكومة إسلامية على أن يكون رئيس وزراء فى حكومة غير إسلامية . وها نحن نراه الآن “ساعيا” فى حكومية غير إسلامية من صناعة الجيش الأمريكى .

هذا “الزعيم” ونظراء له دخلوا كابل بعد سقوط النظام الشيوعى واحتفظوا بكل كوادر النظام السابق على قمة السلطة كما كانوا وقت الإحتلال السوفييتى. فملأوا الأرض فسادا ودمارا وقتلا وعدوانا على الحرمات حتى أزاحتهم حركة طالبان التى أقامت نظام الإمارة الإسلامية.

لم ينضم هؤلاء الزعماء للإمارة بل فروا يجمعون المرتزقة ويحرضون الأجنبى على مهاجمة بلادهم، حتى عادوا مرة أخرى فى صحبة إحتلال جديد كى يعملوا تحت إمرة أمريكا وحلف الناتو.

حتى هؤلاء تناشدهم الإمارة العودة إلى رشدهم قبل فوات الأوان . فالإنتفاضة الشعبية الإسلامية ستجرف فى طريقها الإحتلال وصنائع الإحتلال .

وعند عودة قوات الإمارة إلى كابول لن يجد الخونة الكبار مكانا يلجأون إليه مثلما لجأ السفاح نجيب الله إلى مقر الأمم المتحدة . فتلك المنظمة الإجرامية ستكون قد رحلت قبلهم . بل إنها بدأت الآن فى الرحيل أو التواجد المخفف بعد الضربة التى وجهتها إليها قوات الإمارة الإسلامية .

 … النقد والنقد الذاتى ـ
ومن أجل إحكام البنيان الداخلى ، وضعت الإمارة نفسها ومسئوليها فى موضع المساواه مع جميع أفراد الشعب . فهى تسعى إلى إكتشاف أخطائها بما يعنى قبولها للنقد من الآخرين، بل ويعتبر ذلك منها نقدا ذاتيا . مع دعوتها لتطهير صفوفها من المنحرفين ومحاسبتهم . وهكذا تكون فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ذات طريقين : من الحاكم إلى المحكومين ، ومن المحكومين إلى الحاكم . وليست سيفا يسلطه محتكرو السلطة والثروة على باقى أفراد الشعب لقهرهم بإسم الدين .

وللنظر فى رؤية الإمارة لتلك المبادئ العظيمة من خلال البيان سابق الذكر نراه يقول :

{{ إن إمارة أفغانستان الإسلامية لتؤمن بالإصلاح الإجتماعى وإصلاح ذات البين ، وترحب بالإبتكارات السليمة (ويعنى هنا التجديد فى الأساليب) فى إطار الشريعة الإسلامية.

ولذلك تنتبه إلى نقائصها وتكلف جميع مجاهديها بالإلتزام الشديد لمراعاة الأصول واللوائح الجهادية لكى يتمكنوا جميعا من السير قدما فى إطار الشريعة الإسلامية مراعين مصالح الشعب والوطن فى حركتهم الجهادية . وأن يثبتوا أنفسهم مدافعين حقيقيين عن الدين والوطن . وممثلين صادقين للمطالب الأساسية للشعب المسلم .
كما تعتبر الإمارة تصفية صفوفها ومحاسبة أفرادها من حتميات وظائفها بشكل دائم ومستمر }} .

تـنقية الصفوف ومحاسبة الأفراد تقى الحركة التى تقود المجتمع والجهاد من الفساد. وتكشف الفاسدين والإنتهازين الذين يحاولون النفاذ بين الصفوف والتخفى بثياب المجاهدين العاملين. وهذا درس بليغ لكل الحركات الإسلامية حتى لاتدع صفوفها تتعفن بعدم المحاسبة. أو أن تحمى الباطل طالما هو قادم من داخل صفوفها وتعادى الحق إذا جاء من خارج الجماعة.

تـنقية الصفوف، والمحاسبة الدائمة، والمراقبة المستمرة، تمنع تقديس الفرد وعبادته من دون الله. فالكل سواء فى المحاسبة وطبقا لذات المعايير. والمخطئ يحاسب مهما علت منزلته أو زاع صيته بين الناس. وفى ذلك إرشاد بأن يكون ذلك المبدأ الإسلامى العظيم فاعلا ونافذا داخل الحركات الإسلامية العاملة.

فلا أحد فوق المحاسبة .. ولا أحد فوق الشريعة.

… الوحدة ونبذ الفرقة ـ
ننتقل إلى النقطة الأخيرة فى تقوية البنيان الداخلى للإمارة الإسلامية حسب ترتيب البيان ـ ولعلها الأهم حسب وقائع الأحداث سواء فى أفغانستان أو الدول الإسلامية ـ ألا وهى توحيد البنيان الإجتماعى للشعب ونبذ الفرقة والإختلاف بين شرائح الأمة .

يشير البيان أن ذلك هو السهم الأخير فى جعبة الإحتلال الذى يعيش مرحلة متقدمة من مراحل الفشل والهزيمة العسكرية فى الميدان . لذا قد يعوض عن ذلك بإشعال نيران الفتن الداخلية ، فينقلب بأس الشعب إلى الصف الداخلى .

فيفنى المسلمين بعضهم بعضا ويبقى المحتل سالما . حتى أنه قد لايحتاج إلى جنوده ، فيسحبهم ويبقى الأمر فى يد الحكومة العميلة وقواتها العسكرية والأمنية ،والتى رغم هزالها فستكون كافية لضبط الأمور وضمان تدفق المنافع الإقتصادية والإستراتيجية إلى الدول المستعمرة ، بينما الشعب منشغل بالصراع الداخلى،وربما تستقوى فئاته بالمستعمر وأذنابه ضد باقى إخوانهم فى الدين والوطن . وهناك عبرة لمن أراد أن يعتبر فى أحوال العراق والصومال واليمن وفلسطين ولبنان …

وذلك هو السبب الرئيسى فى عجزنا عن مقاومة المستعمر الخارجى وأذنابه المحليين .

العدو يريد أن ينسحب من أفغانستان تاركا الفتنة الداخلية تؤدى دورها فى تدمير الشعب والوطن ، بل وتهدد تواجد الإسلام نفسه فى تلك الدولة.

يقول أمير المؤمنين فى بيانه الشهير :

{{ وبما ان العدو يواجه هزيمة عسكرية وليس ببعيد أن يعترف بهزيمته الكامله ، فإنه الآن يسعى لرمى آخر سهم فى كنانته وهو سهم زرع الفرقة والخلافات بين الشعب المؤمن لكى ينتقم لهزيمته العسكرية بهذه الطريقة . إلا أن العدو يواجه الفشل فى هذا السعى الماكر أيضا . لأن شعبنا المؤمن وفيٌُ لدينه ووطنه ، ويعتبر الوحدة ونصرة المجاهدين من وجائبه الدينية ، والعمل لتحرير بلده من حقوقه ، وهو يعى تماما أن الإعلام الغربى ما هو إلا بوقا من أبواق ” البنتاجون” الذى لا يجوز أن يغتر بإشاعاته الباطلة }} .

إن وحدة الشعب ونصرة المجاهدين هى واجب دينى ، والعمل الجهادى هو حق للمواطنين . وبالتالى فإن ضرب وحدة الشعب والتفرقة بين الصفوف هو عمل ضد الدين وضد الجهاد . وكل من يسعى إلى ذلك فهو يعمل لمصلحة العدو حتى لو كان بين صفوف المسلمين . ومن يروج للفتنة والتفرقة ماهو إلا بواقا من أبواق البنتاجون .

تلك هى أسس التمكين للبنيان الداخلى فى المجتمع الإسلامى كما تراه الإمارة الإسلامية وعبر عنه بيان أمير المؤمنين . وبغير ذلك لن تقوم للإسلام قائمة لا فى أفغانستان ولا فى غير أفغانستان .

فبواسطة بناء داخلى قوى وسليم تسطيع أفغانستان كإمارة إسلامية أن تـنطلق بفاعلية فى محيطها الإقليمى والدولى . لتكون عونا للمسلمين فى كل مكان وتصحح المسار الإنسانى الذى إنحرف لقرون عديدة ، حتى شارف على الإنهيار فى القرن الأخير .

بقلم :
مصطفي حامد ابو الوليد المصري
copyright@mustafahamed.com

المصدر  :
موقع مجلة الصمود (إمارة أفغانستان الإسلامية)
http://124.217.252.55/~alsomo2



ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا