حوارات مع الباحثة الأسترالية “ليا فارال” ـ 6 ـ

0

 ــ حكمتيار وحقانى والحديث عن معتدلين فى حركة طالبان .

 ــ فرص تشكيل حكومة متعددة الأطراف بعد الجلاء الأمريكى .

 ــ   طالبان ، حركة إسلامية أم حركة تحرير وطنى؟ .

 

ـ بقلم : مصطفى حامد ـ

www.mafa.world

 

السيدة ليا فارال …

تحياتى

تلك هى إجاباتى عن آخر الأسئلة التى وجهتيها لى ، راجيا أن تكون أفكارى فيها واضحة.

سمعتى بالطبع عن المقولة الشهيرة لوزير الخارجية الأمريكى الأسبق “جورج شولتز” والتى قال فيها:

( إن المفاوضات تصبح محض إستسلام إذا لم تغمر ظلال القوة مائدة المساومات).

والآن تحاول الإدارة الأمريكية زيادة ظلال القوة على الأرض الأفغانية ولكن الزيادات المقترحة فى عدد القوات سواء كانت عشرة آلاف ـ كما يريد البعض ـ أو أربعين ألفا كما يرغب صقور الحرب هناك، مضافا إليها الخمسة آلاف جندى الذين يحاول “الناتو” إستجدائهم من الدول الأعضاء المتمنعة، كل ذلك يبدو أنه لن يضيف ظلال القوة الكافية0 فالمعتقد على نطاق واسع أن الزمام قد أفلت بالفعل من اليد الأمريكية وأن أمريكا والحلفاء ليس لديهم الإرادة ولا الإمكانات الكافية لكسب الحرب.

وأن توجيه دفة الأحداث فوق الأرض الأفغانية إنتقل بالفعل إلى حركة طالبان، أوبمعنى أدق “الإمارة الإسلامية”

فقد ظهر أن كل ما فعله الغزو هو أن جعل الإمارة تتراجع عدة أمتار خارج المقار الرسمية كى تمارس السيطرة من بين أشجار المزارع وقمم الجبال وهى مازالت تعمل فى المدن من داخل الأحياء الفقيرة.

لم تعد زيادة القوات مجدية كما لاحظ ذلك السفير الأمريكى الجنرال ” كارل آيكنزى” الذى كان قائدا سابقا للقوات الأمريكية فى أفغانستان. إن رفض الإحتلال ومقاومته أصبح موضع إجماع شعبى لذا لايمكن أن تجدى أى قوات أجنبية فى قمعة، وتاريخ الأفغان شاهد على ذلك  إذن فرقعة السلاح التى يقوم بها الإحتلال تؤدى وظيفة نفسية للتأثير على المفاوض الأفغانى،و تظهر بإلحاح حاجتهم إلى التفاوض مع الطرف المقابل المسيطر وهو الإمارة الإسلامية، وتحديدا الملا عمر الذى شنوا عليه الحرب وحاولوا إغتياله مرارا وهنا تظهر مشكلتان:

الأولى : أنه لاوجود ” لمائدة المفاوضات” التى يتكلم عنها شولتز كما ليس هناك طرف محايد للوساطة، ولا أرض محايدة للتفاوض فوقها فالجميع بلا إستثناء جندتهم أمريكا فى حربها على أفغانستان وإمارتها الإسلامية تحت تهديد السيف الصليبى الذى رفعة بوش بشعاره الشهير ( من ليس معنا فهو ضدنا)  فحتى هؤلاء الذين كانوا يحسبون إعلاميا أنهم من أصدقاء الإمارة مثل باكستان والسعودية ودول الخليج، جميعهم دخل الحرب ضدها كل حسب طاقته

فلا أرض محايدة ولا وسيط محايد، وهكذا تبدو الحرب وكأنها راغبة فى السير إلى منتهاها لتحل الأزمة بوسائلها العنيفة بدون إعطاء فرصة للسياسة كى تؤدى وظيفتها المعتادة فى مثل تلك المواقف  وذلك خطأ تاريخى قاتل تسببت فيه سياسات أمريكية بلغت الذروة فى الحماقة والوحشية

الثانية : هى أن الإمارة لم تستنجد حتى الآن بالسياسة، لأن ساحات القتال مازالت تعطيها أكثر بينما الجانب الأمريكى على العكس من ذلك ، فنراه يستنجد بالمفوضات ليكتشف أنه قد أحرق سفن العودة منذ اللحظة الأولى فلم يكن وهو فى ذروة نشوة الغرور والقوة يخطر فى باله أنه قد يضطر يوما للتراجع

إذن الموقف الآن كما أراه : أن الطرف الأمريكى لايجد مائدة ولا أرض للتفاوض عليها، بينما الطرف المقابل “الإمارة” لايرغب فى شراء مائدة ولا يثق فى أرض خارج حدود بلاده ، ويرى أن الحرب مازالت تؤدى العمل بشكل جيد

أيا كان الحل لتلك المعضلة فالشئ المؤكد أن الولايات المتحدة قبل إنسحابها سوف تعمل على (تلغيم) الوضع الأفغانى ـ بالمعنيين المادى والسياسى

فالسوفييت قبل مغادرتهم أفغانستان، زرعوا فيها ملايين الألغام ـ قد تصل إلى مئة مليون حسب بعض التقديرات ـ وقال السوفييت عند إنسحابهم : إن الأرض سوف تحارب الأفغان لمئات السنين ثم تعاونوا مع الأمريكيين فى تلغيم الوضع السياسى الداخلى فى أفغانستان والتأسيس لحرب أهلية طويلة الأمد كما لغموا الوضع الإقليمى حول أفغانستان بأن نظموا مع دول المنطقة قوانين لعبة صراع النفوذ داخلها بالمال والسلاح وتقسيم مناطق النفوذ

من المؤكد أن الأمريكيون يفكرون فى طبعة جديدة ومنقحة من ذلك السيناريو0الذى يمكن فى حالة نجاحة أن يكون عملا مؤثرا للغاية فى عرقلة دور آسيا فى قيادة العالم ضمن النظام الدولى القادم لا محالة بعد الإنسحاب الأمريكى الأوروبى من أفغانستان

فيمكن لأمريكا خلال المدة المتبقية على إنسحابها أن تؤسس لحرب أسيوية واسعة النطاق داخل أفغانستان وبسببها

فتتحول أرض أفغانستان إلى ساحة صراع بالنيابة بين عمالقة آسيا، من الصين إلى الهند وروسيا وباكسان وإيران، بل وحتى تركيا والسعودية

وذلك صراع إلى جانب فائدته الإستراتيجية العظمى للولايات المتحدة فهو أيضا يبقى على نفوذها السياسى وقيمتها الترجيحية العالية بين أطراف الصراع الدائر داخل أفغانستان وبسببها  وفوق ذلك كله يبقى العوائد المالية الهائلة من شلالات الأفيون المتدفق بين أصابع كارتل المخدرات فى الولايات المتحدة ، كما تبقى شركات النفط الأمريكية مسيطرة على بحار النفط القام من آسيا الوسطى وحتى من أفغانستان نفسها.

حكومة متعددة الأطراف؟

من المعروف أن مائدة المفاوضات تعكس حقائق القوة بين على الأرض  أى أن نتائج الصراع على الأرض هى التى تحدد شكل الإتفاق السياسى  يستوى فى ذلك الإتفاق بين الطرف المحلى والطرف الخارجى أو بين الأطراف المحلية نفسها  ومنذ العصر الحجرى وحتى المجتمعات الحديثة فى أوروبا ، نجد أن الطرف المنتصر فى الحرب هو الذى يقود الداخل ويملى شروطه على الخارج

فى داخل أفغانستان يبدو أن الإمارة سوف تكون ذلك الطرف المنتصر بصفتها من قاد الشعب فى حرب مظفرة ضد إعتداء خارجى ومحتل أجنبى  وأمريكا لاتستطيع الوصول إلى حل فى أفغانستان إلا مع حركة طالبان والإمارة الإسلامية  تلك الإمارة ـ طبقا للحقائق الظاهرة فى الميدان ـ هى العائدة إلى حكم البلاد  فليس هناك أطراف أخرى متحالفة معها من أجل تشكيل “جبهة تحرير”  وباقى القوى العاملة ضد الإحتلال لا تتمتع بالثقل الميدانى الكافى حتى يمكن إعتبارها شريكا لطالبان.

حركة طالبان مع عودتها المرتقبة للحكم فى الإمارة الإسلامية أعلنت أنها سوف توسع قاعدة المشاركة فى السلطة، وفى قاعدة الشورى ( وهى صورة الديموق

راطية فى الإسلام) ، وفى قاعدة تطهير وتنقية المجتمع من الفساد، بل وفى تطهير حركة طالبان نفسها من أى شوائب علقت بها كل ذلك بالطبع على أساس رؤية إسلامية واسعة يحددها الفقه السائد فى ذلك البلد وهو الفقه الحنفى الذى سوف يشكل المرجعية الدينية لجميع الأحكام والقوانين والدستور بطبيعة الحال

تعرف حركة طالبان أن ذلك هو السبيل الوحيد لضمان الإستقرار الداخلى وغلق منافذ التدخل الخارجى سواء من الجيران أو غيرهم وبيان الملا عمر فى عيد الفطر الماضى يعطى إشارة قوية لتوجهات الإمارة نحو بناء داخلى متماسك وعلاقات خارجية بناءة مع الجميع

سيطرة حركة طالبان على الوضع الداخلى بهذا الشكل تقلق أمريكا وحلفائها، كما تقلق الجيران الذين يرغب كل منهم فى رؤية رجاله على قمة السلطة أو أقرب ما يكون منها

ــ على رأس هؤلاء المرغوب فى جعلهم منافسا للحركة حتى لاتنفرد بالمشهد الأفغانى كله هو “جلب الدين حكمتيار” المعروف تاريخيا أنه رجل كل العهود فى باكستان ، من الحكم المدنى العلمانى لعائلة بوتو إلى الحكم العسكرى المتدين للجنرال ضياء الحق  والآن تشاغب به باكستان ليصبح شريكا لطالبان فى المرحلة القادمة سواء فى التفاوض أو فى الحكم وذلك يوافق المصلحة الأمريكية فى أن لا تترك وراءها فى أفغانستان حكما متجانسا مسقرا

ولكن المشكلة هى أن حكمتيار قد فقد ثقله داخل أفغانستان منذ وقت طويل  وقد شاهدنا بداية لأفول نجمه أثناء قتاله قتاله على أطراف كابول ضد حكومة ربانى عام 1993 حيث لم يجد غير المتطوعين العرب يشدون من أزره بعد أن إنفض عنه معظم مجاهدى حزبه منذ ذلك الوقت أدت تحالفاته المتناقضة وتبدله السريع من طرف إلى آخر مع لهجته الخطابية العالية، إلى فقدانه للمصداقية حتى بين أطراف اللعبة السياسية داخل أفغانستان

كل ذلك يجعل من أى مجهود أمريكى/باكستانى لإستخدام حكمتيار كطرف مقابل أو شريك لطالبان هو مجهود لايستحق مجرد التفكير فيه، ولكن يبدو أنهم يفكرون فيه بجدية الآن وهذا سيعطل جهودهم للعثور على حل المناسب يسهل خروجهم من أفغانستان

من المعروف أن حكمت يار ظل دوما فى طليعة المحاربين لحركة طالبان وهو إلى الآن لم يبايع الملا عمر.

ــ يطرح أحيانا إسم جلال الدين حقانى كطرف موازى لحركة طالبان  وهو قائد ميدانى كان هو الأبرز تقريبا وقت الجهاد ضد السوفييت. ومازال يواصل جهاده ضد الأمريكيين وحلفائهم  إستخدام حقانى إعلاميا بهذا الشكل يهدف إلى مجرد الشوشرة على حركة طالبان لا أكثر  فالمعروف أن حقانى من أشد المناصرين للإمارة الإسلامية، رغم تحفظه على العديد من الأخطاء التى أرتكبت فى فترة حكمها الأولى على الأخص فى كابول ومسألة الدفاع عنها  وقد شغل حقانى منصب وزير الحدود وشئون القبائل فى حكومة طالبان  وقد وضعة الملا عمر فى ذلك المنصب تقديرا لدوره المحورى فى الدفاع عن كابول ضد حملة قوية شنها دوستم بقواته المدعومة بقوات مسعود فى شتاء 96/97.

أحجية المعتدلين والمتطرفين

اللعب بالمصطلحات هواية غربية تهدف غالبا إلى إرباك المفاهيم والتلاعب بالثوابت لدى الخصم

الإعتدال والتطرف من أبرز المصطلحات المستخدمة الآن لهذا الهدف  فالمعتدل هو الذى يحقق مصالح الغرب على حساب ثوابته الوطنية أو الدينية  والمتطرف هو عكس ذلك  بهذا المعيار الفاسد يقسمون الدول إلى دول معتدلة وأخرى متطرفة، ويقسمون المسلمين إلى معسكرين “متطرف متشدد” وآخر “معتدل وسطى” وهم يحاولون ممارسة نفس اللعبة على حركة طالبان لشق صفوفها ومساعدة جناح ضد جناح آخر، ثم التخلص من الجناحين معا.

ـــ قرأت مؤخرا تعريفا عجيبا يقول بأن طالبان المعتدلين هم الذين لا يؤيدون قيام نظام إسلامى فى أفغانستان على النمط الذى تدعو إليه القاعدة

وإختصارا لنقاش طويل ومربك نقول بأن أى بلد يرغب فى إقامة نظام على أساس إسلامى ، فإن ذلك يجب أن يكون: متوافقا مع المرجعية الفقهية السائدة فى ذلك البلد ـ هذا أولا.

ثم يكون متوافقا مع الطبيعة الإجتماعية والتاريخية له ـ وهذا ثانيا.

وفى هذين المحورين يتضح التباين الكبير بين القاعدة وحركة طالبان  فلا المرجعية الفقهية واحدة ولا البيئة الإجتماعية متشابهة هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنه لا الشعب الأفغانى ولا حركة طالبان تقبل بالمرجعية الفقهية السلفية التى تتبناها القاعدة ، كما لايمكنهم قبول إى إملاء أو ضغط أو إغراء فى هذا الخصوص من أى جهة كانت سواء من القاعدة أم من هم أقوى وأهم منها

إن الشخصية الإسلامية الفريدة للشعب الأفغانى لايمكن زحزحتها عن ثوابتها الدينية والفقهية لا بالإحتلال الأجنبى ولا بالإبتزاز من جانب أطراف إسلامية أخرى، بما فى ذلك القاعدة أو غيرها

طالبان: حركة دينية أم حركة تحرر وطنى ؟؟

مفهوم المسلمين للدين يختلف كثيرا عن مفهوم الدين فى الحضارة الغربية فالدين عندنا رؤية تشمل الحياة كلها، البشر وغير البشر وحتى كوكب الأرض والكون كله  فالدين هو الفضاء الذى يسبح فيه المسلم كما تسبح السمكة فى الماء، وليس شيئا منعزلا ، يستخدم أحيانا ويترك أحيانا، أو أنه مختص بأجزاء معينة من حياتنا ومحظور عليه دخول مناطق أخرى منها

فلا تعارض عندنا بين ما هو دينى وما هو وطنى  فحب الوطن من الإيمان والعمل لأجله هو جزء من الدين

والوطن الذى يرى لنفسه مصالح تعارض الدين يصبح مجرد مأوى ومحل معيشة وليس وطنا إسلاميا حقيقيا

بل أن المسلم يصبح فيه غريبا وإن كان معظم من حوله مسلمين  بينما يكون البلد الذى يطبق الإسلام بالنسبه للمسلم وطنا حتى ولو لم يكن له فيه أهل أو سكن  وذلك كان شعور العرب وغير العرب الذى توافدوا للعيش فى أفغانستان بعد قيام حكم الإمارة الإسلامية

لقد توافدوا للعيش هناك فى ظل حكم الإسلام وليس لممارسة الإرهاب كما يتهمهم الغرب ليخفى حقيقة يعلمها جيدا ويحرص على طمسها  حقيقة أن المسلمين ما زال يهزهم الشوق لتطبيق شرائع دينهم كاملة بعيدا عن نمط الأنظمة العلمانية المستبدة والفاسدة التى يفرضها الغرب عليهم بقوة السلاح

من هذا المنظور يمكن تعريف حركة طالبان بأنها حركة إسلامية للتحرر الوطنى  إهتمامها المباشر هو الوطن الأفغانى ومصالحة الدنيوية التى تدار وفقا لشرائع الإسلام   وبدون أن يعزلها ذلك عن باقى الأمة الإسلامية أو يجعلها فى تعارض مع المصالح العليا لتلك الأمة  بل أنها تشارك أمتها فى مواجة التحديات التى تقابلها على قدر القدرة المتاحة لدى الإمارة وطبقا لرؤية قيادتها

ـــ  تلك كانت إجاباتى عن آخر ما قدمته الباحثة الأسترالية السيدة “ليا فارال” من أسئلة وإستفسارات . راجيا أن أكون قد تمكنت من الإجابة عنها بوضوح يزيل بعضا من نقاط الإلتباس فى موضوعات شغلت العالم كثيرا ونتج عن الضبابية المتعمدة بشأنها الكثير من المآسى التى أضرت بملايين البشر

أكرر شكرى للمجهود البحثى المضنى والجاد الذى قامت به الباحثة “ليا فارال”، ومبادرتها الأدبية الشجاعة، وتحملها مخاطر المجازفة بإجراء ذلك الحوار الذى يرى الكثير من تجار الحروب ومصاصى دماء الشعوب أنه يكشف جوانب من الحقيقة كانوا يجتهدون فى بقائها طى الكتمان بقتلها مع أصحابها أو تغييبها معهم فى معتقلات علنية أو سجون سرية.

 

بقلم: مصطفي حامد ابو الوليد المصري

المصدر: موقع مافا السياسي

www.mafa.world



ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا