نحن … وأفغانستان … وإيران

0

هناك مثل أوروبى يقول : أن الثورات يخطط لها العباقرة ، ويخوض غمارها الشجعان ، ويقطف ثمارها اللصوص .
وطوال فترة حياته حمى الإمام الخمينى “قائد الثورة ” ثورته من أن تصبح نهبا للصوص وظلت ثورة الفقراء والمستضعفين إلى حين وفاته .
وبعده مباشرة بدأ بندول الساعة يعكس مسارة ، وعاد اللصوص إلى مكانهم الطبيعى يمارسون حقهم فى جنى قطاف الثورة . خاصة وأن بعضهم كان من رعيلها الأول ويرى نفسه وذريته وأحبابه هم أصحاب الحق الطبيعى فى خلافة أسرة بهلوى .

 عودة البندول كانت بطيئة وحكيمة وتديرها أيد واعية ، كون الثورة عميقة الجذور فى المجتمع الإيرانى ومرتبطة بقوة فى بالمعتقدات الدينية الراسخة. إرتباطها بالمواقف الإجتماعية والسياسية التى حددها الإمام الخمينى وكانت تعبيرا صحيحا وعميقا قادما من أعماق الفقراء أغلبية الشعب .
لذا كانت رحلة عودة البندول غاية الحرص حتى لا تؤدى نقلة خاطئة إلى تفجير يطيح بالمعمل كله .

هكذا مرت ثمانى سنوات تحت قيادة عالم الكيمياء السياسية الماهر ” الشيخ هاشمى رفسنجانى ” الذى أجاد دورة كصانع ملوك وملكا للتوازنات وصانع سياسات النظام .
عندما أنهى دورته كرئيس جمهورية ، دفع إلى الصدارة واحدا من أنجب تلامذته وهو السيد محمد خاتمى الذى قاد الجمهورية لثمانى سنوات أكمل فيها نفس المسيرة وبهمة أعظم كون الثمان سنوات السابقة لهاشمى رفسنجانى قد مهدت الطريق وأزالت معظم العقبات ، ودجنت الهمم الثائرة وأفسحت المجال للراغبين فى الثروة والسلطة والمستعدين لنسيان أسطورة الثورة، فيكفى ما حدث من حروب وعزلة وعقوبات فالدنيا مازالت بخير والبلد مليئة بالثروات .

أكبر انجازات عالم الكيمياء السياسية كان وضع مرشد الثورة وهو أعلى سلطة دستورية فى البلاد ، وضعه فى قارورة شبه محكمة الإغلاق جعلت الوارد إليه بميزان الصادر منه بميزان .

وباقى المجالس الدستورية التى تراقب السلطات التشريعية والتنفيذية كانت تحت السيطرة وتسير وفقا للتفاعل المحكوم بدقة وحكمة .

     الإلتحاق الكامل بالغرب/ لكن بكرامة/ كان هو هدف المسيرة المعاكسة لبندول الثورة طول مدة ثمانى سنوات رفسنجانية وثمانية أخرى خاتمية . وكان للغرب فيها ثلاث مطالب واجب تنفيذها فى الداخل الإيرانى .. وهى :

1       ـ تخفيف صور الإلتزام الإسلامى فى الشارع الإيرانى .
2 ـ إطلاق العنان للشباب المتأثر بالثقافة الغربية للتعبير عن نفسه بحرية فى الحياه العامة ( أى وقف عملية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى المجتمع).
3 ـ إطلاق العنان للصحف الليرالية ورفع الحواجز أمام صدورها وحريتها فى التعبير وحماية كتابها وإفساح المجال لهم. .

تم ذلك كله وأكثر خلال ستة عشر عاما من مسيرة بندول الثورة المعكوس وفقا لمعادلات غاية فى الدقة تمسك بها يد خبيرة وحكيمة للشيخ رفسنجانى .

تضخمت ثروات بشكل فلكى ، وتزاوجت السلطة السياسية بالثروة والتاريخ الثورى. وتكدست أرصدة الكثير من الثوريين القدماء ونمت كروشهم ، وصار الفساد الثورى هو شعار العصر .
هذا فى الداخل فماذا فى الخارج ؟ .
وهنا تعنينا أفغانستان تحديدا ـ فقد كان كل ما يحدث فى إيران له إنعكاسه السريع والمباشر فى أفغانستان . وكان ذلك واضحا لكل من أراد أن يرى . أما من أغمض عينيه أو أشاح بوجه وأراح مخه من رذيلة التفكير ، فقد فاته الكثير . وكلما أستيقظ أو أنتبه إذا راعته الأحداث وعجز عن تفسيرها، فكان له فى كلمة (كفار) ما يثلج الصدر ويذهب وساوس التفكير، ويجلب النوم المريح.

فمثلا : وقت أن كانت الثورة الإسلامية فى إيران تخوض حربا دفاعية فى مواجهة حرب عالمية ضمت الغرب كله والاتحاد السوفيتى “وأهل السنة !! ” من حكام دول الخليج النفطية .

وقتها كانت إيران تقدم قدر طاقتها القليلة جدا المتاحة فى ذلك الوقت مساندة للمجاهدين فى غرب أفغانستان . وكان لنا وقتها أصدقاء من تلك المناطق يعيشون فى منطقة الخليج ويعملون فى إيصال المساعدات إلى بلادهم وقد نقلوا لنا تلك الصورة عن الموقف الإيرانى فى مابين أعوام 1980 الى عام 1989 . وقد شاهدنا بأنفسنا تواجدا للحرس الثورى الإيرانى فى مناطق باكتيا، يدربون جماعة مولوى نصر الله منصور ويقدمون لهم أسلحة خفيفة ومدافع هاون . وكان ذلك فى عام 1988 ومعلوم أن باكتيا يسكنها قبائل من البشتون السنة شديدى التدين كباقى البشتون .

ولكن ما أن دخل ” المجاهدون ” إلى كابول بحكومتهم الهزيلة عام 1992 وبدأت الحروب بين التنظيمات حتى ظهرت على الساحة بصمات السياسة الإيرانية الجديدة نتيجة إنعكاس حركة ” البندول الثورى ” .

وبدلا عن الروح الثورية فى دعم المسلمين المستضعفين فى كل العالم ، كشرت الدولة المتعطشة للتوسع الأقليمى على حساب شعب مسلم جار وشقيق شاءت ظروفة أن تتمزق دولته وتتمزق قواه الإجتماعية والسياسية .
إندفع جيران أفغانستان من كل حدب وصوب لملء الفراغ واكتساب مناطق النفوذ. ولم تكن إيران”الثورة المنعكسة” إلا واحدة من ذئاب الجوار التى إندفعت لنهش لحم الثور الأفغانى النازف الذى تفترسه دول الجوار تحت رعاية دولية تخطط لإستيعاب المنطقة كلها .. بما فيها إيران.

كان” حزب وحدت “الشيعى أهم أوراق إيران على الساحة الأفغانية فى مرحلة الفتن والإضطرابات التى بدأت منذ ” إبريل 1992  ” وحتى دخول طالبان إلى كابول فى أكتوبر 1996 .

تورط “حزب وحدت” وبدعم إيرانى واضح فى مجموعة تحالفات متناقضة وحروب متصلة بحيث حالف الجميع وحارب الجميع خلال شهور معدودة .

ولأن الشيعة أقلية عرقية ودينية فقيرة ومهمشة ومضطهدة تاريخيا إنعكست عليها تلك السياسات بأشد الأضرار وزادتها تفسخا وضعفا ونزيفا داميا . ولم تجتمع الشيعة على قيادة واحدة ولا توفرت لها قيادة مناسبة ، إلا فى قيادة الشيخ عبد العلى مزارى الذى قتل فى مشكلة مع الطالبان ضمن حادث يعكس عشوائية تلك المرحلة ومأسوية أحداثها المضطربة والعنيفة .

لم يكن قتله مدبرا أو متعمدا بأى شكل من الأشكال لكن قيادة الحركة “البندولية” فى إيران جعلته بداية لصراع وعداوة أبدية مع حركة طالبان , وهو موقف يعكس رغبة ومصالح الصفوة الحاكمة فى طهران والتى جمعت بين يديها الماهرتين كل مفاتيح السلطة ومعظم مفاتيح الثروة .

رغبت تلك الصفوة فى عقد تحالف إستراتيجى ” غير معلن ” مع الولايات المتحدة تقوم بموجبه طهران بدور أقليمى ” شاهنشاهى ” تحت شعارات ثورية رنانة من قبيل ” الحرب على الإرهاب ـ الحرب على التطرف ـ الحرب على التكفير ـ الحرب على …. القرصنة البحرية ” .

وهذا هو الدور الأقليمى الذى ظلت تطالب به طهران منذ وفاة الإمام الخمينى فى عام 1989 وحتى ما قبل الإنتخابات الرئاسية الأخيرة فى يونيو 2009، التى تلقت فيها تلك الصفوة ضربة هائلة غير متوقعة بينما هى على وشك أن تخطوا خطوتها الأخيرة لغلق ملف ثورية إيران وحتى إسلامية نظامها .

وهذا يفسر ، لمن لا يعلم ، سبب ذلك الإنزعاج الرهيب الذى إجتاح المعسكر الغربى /الإسرائيلى /العربى “المعتدل” ، حيث كانت كل الحطوات معدة ومدروسة وحشدت لها كل وسائل النجاح ورصدت الأموال الهائلة لتحريك ثورة ” مخملية ” لا نظير لها فيما سبق من ثورات ناجحة فى جورجيا أو أوكرانيا .

وتوفرت لها كل الخبرات الإدارية للثورات المخملية الحديثة بعناصر من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية ، وهاموش الحكم فى دول الخليج.

ونعود إلى أفغانستان ونقول : أن إيران فى ثوبها الجديد إستفادت من “الورقة الشيعية” فى تمددها الأقليمى صوب أفغانستان كما أستفادت من الرباط اللغوى الذى يربطها مع الطاجيك ” الفرسوان ” الأفغان . وأحمد شاه مسعود الزعيم القوى للطاجيك ، جمع تحالفا ” شماليا ” تبنته إيران. وهو يضم أيضا الشيعة والأقلية الأوزبكية وزعيمهم الدموى عبد الرشيد رستم ” صاحب أكبرميليشيات شيوعية حاربت ضد المسلمين فى أفغانستان ، وضم أيضا بشتون من قادة الجهاد السابقين من أمثال عبد الرسول سياف ( رجل السعودية الأول) وحكمتيار( رجل باكستان الأول).

ومازالت السياسة الإيرانية حتى الآن تعتبر أن ذلك التحالف هو يدها القوية فى أفغانستان . وترى روسيا نفس الشئ رغم أن التحالف المذكور كان هو قوة القتال الأرضى الوحيدة التى فتحت الباب الأفغانى للإحتلال الأمريكى فى حرب أكتوبر2001 .

ومن قواعد اللعبة تخويف ذلك التحالف لإبقائه مربوطا وتحت السيطرة . وهكذا أثاروا رعب أفراده من مخاطر طالبان الذين وصموهم أنهم “سنة” متهورون أو بشتون متطرفون . إذا لابد أن تبقى حركة طالبان شيطانا رجيما مخيفا ، حتى يبقى تحالف الشمال مترابطا كتحالف مشترك سنى شيعى ويضم أقليات غير بشتونية مهددة بالخطر . أما البشتون السنة فى ذلك التحالف فلهم دور كبير فى أكسابه طابعا مرنا يخفف الصورة الممجوجة للطائفية العرقية.

إذا هى صورة طبق الأصل من نموذج الفتنة العراقية التى جاءت بعد ذلك بسنوات . وظلت قوانين اللعبة ثابتة رقم إختلاف التفاصيل والنائج .
الفارق فى الحالة الأفغانية هو القيادة الفذة المتمثلة فى الملا محمد عمر قائد حركة طالبان الذى لم يرفع إلا شعارا إسلاميا خالصا نقيا من دعاوى “الجاهلية” الطائفية و”الجاهلية” العرقية .

ومازال ذلك الرجل العظيم ثابتا على موقفه رغما عن كل المغريات وكل الضغوط التى يأتى أكثرها من جانب باكستان وجهة العرب .. عرب الحكومات وعرب الجهاد .. وربما هنا تختلط العديد من الأوراق حين تتحد مصالح الحكوميين مع مصالح الجهاديين فى تزكية نيران الفتنة والإبقاء عليها مشتعلة .

ويبدو حتى الآن أن الملا محمد عمر قد تعلم الدرس جيدا ، فلم يعد يسمح لضيوفه أو أنصاره من العرب ـ أو من غير العرب أن يأخذوا بيدهم زمام القرار فى السلم والحرب. فحرب أكتوبر 2001 لن تتكرر. وسياسة التوريط التى نجح فيها البعض مرة، غير قابلة للنجاح فى الوضع الراهن طالما ظل الملا عمر قابضا بقوة على زمام القيادة.

من سياق الأحداث الأخيرة فى مناطق القبائل الباكستانية يتضح أن العرب المجاهدين ومعهم علماء دين باكستانيين مرتبطين بالإستخبارات العسكرية ومعهم بعض عناصر تلك الإستخبارات الذين إكتسبوا ثقة بعض العرب والأفغان أثناء الفترة السوفيتية، كل هؤلاء تمكنوا من فرض برنامج عمل على حركة طالبان باكستان أدى فى حصيلته إلى عزلة الحركة عن الكتلة الشعبية الكبيرى فى البلاد. وبحيث تعانى الحركة من عزلة واضحة عن باقى فئات الشعب ولا يقاتل معها ويساندها سوى قبائلها فقط مع دعم سياسى باهت من قوى متناثرة لاوزن لها.

ذلك لأن شعارات الحركة لم تكن مدروسة بعناية، وبثت الرعب فى أكثر الفئات التى لجأت إلى الحكومة وجيشها من أجل الحماية. ولو أن الأمر كان كذلك فى أفغانستان لأنتهت المقاومة الأفغانية فى أشهر قليلة. وذلك يدل على إستقلالية الملا عمر وسيطرته التامة على قراره السياسى والعسكرى، وأن التدخلات التى تسببت فى نشوب حرب أكتوبر 2001 وسقوط الإمارة لا أثر لها الآن بل تبدو عديمة الفرصة.

مستشارو “طالبان باكستان” فرضوا عليها برنامج “الفتنة الطائفية”( واستهداف الشيعة ،مساجدهم، علمائهم، أناسهم العاديين).

وكان ملفتا أن مؤتمرات شعبية مؤيدة للجيش الباكستانى فى حربه الوحشية على القبائل، كان منظموها قيادات مشتركة من الصوفية والشيعة (!!) أى الأعداء التقليديين للسلفية. وكان ذلك مؤشرا لا يخطئ على مدى تأثير السلفية الجهادية على قيادة حركة طالبان باكستان. أو كما قال صديقنا الشيخ سعيد ( الموصوف بالرجل الثالث فى القاعدة فى حديثه مع المراسل النشط لقناة الجزيرة الزميل أحمد زيدان) أنه قد حدث نجاح فى إقناع حركة طالبان باكستان “بالمنهج” و “التوحيد” و” عقيدة الولاء والبراء” .

وهى شيفرات التعارف الخاص بالسلفيين. كما أن هناك شيفرات للتعارف لدى آخرين مثل”الصحوة الإسلامية” و ” أبناء الحركة الإسلامية” و”منهج الإعتدال والوسطية” . جميعها كليشيهات فخيمة وضخيمة، ولكنها مجرد شيفرات تعارف أو ماركات تجارية فى بازار العمل الإسلامى المحترف .. أما عمليا.. فبدون أثار فى التطبيق.

ولو أن جزءا صغيرا فقط منها كان قيد التطبيق الجدى لتغيرت أشياء كثيرة جدا. لكن وبكل بساطة لا أحد لديه مجرد نية لفعل ذلك.

(( فلننظر مثلا إلى تجربة الزعيم الصومالى السلفى “شيخ شريف” الذى لم يكد يجلس على كرسى الحكم لدقائق إلا وطالب إخوانه بوضع السلاح فورا. ولما رفضوا أستعان عليهم بالأحباش وباقى جيوش أفريقيا الوثنية. ثم أمدتة الولايات المتحدة على الفور بأسلحة قيمتها 40 مليون دولار ليتمكن من قتل إخوانه بشكل جيد وسريع .

ولنفحص الشيفرات الإسلامية البراقة لدى من يعملون فى خدمة الحذاء الأمريكى فى حكومات كرزايات أفغانستان والعراق.. ولنتفق الآن /وقد نرجع لذلك مرة أخرى/ إلى أن تعريفات الكتب العلمية القديمة لمصطلحات كبيرة كهذه صحيحة فى حد ذاتها لكنها لم تعد كافية. وما يحتاجه العصر هو وضع تعريف تطبيقى عملى ومعاصر لتك المصطلحات الضخمة والخطيرة))

لم يكن ممكنا أن يتخيل أحد أن يقف الشعب الباكستانى ـ وفى الحقيقة أى شعب فى الدنيا ـ وهو يشاهد جيشه الوطنى يقوم بشكل منهجى وحديث بعملية إستئصال دينى وعرقى لفئة من فئات الشعب، وبطلب وإلحاح إمريكى مباشر ووقح، وبتمويل دولى يتحدى الأزمة المالية الدولية وموجات الجوع والبطالة التى تضرب الجنس البشرى كله. ولكن يبدو أن قتل المسلمين يظل دوما فى صدارة إهتمام البنوك اليهودية التى تسجد لعظمتها حكومات العالم الكبير منها قبل الصغير..

وكالعادة قد تتمكن حركة طالبان باكستان من القيام بأعمال بطولية لاشك فيها، ولكنها قد تخسر المعركة فى نهاية المطاف، لأنها خسرت تأييد الشعب.

وهذا ما حدث فى حرب أكتوبر 2001 أمام الغزو الأمريكى لأفغانستان، لأن الشعب الأفغانى إنصرف عن حركة طالبان وضيوفها “الوهابيين” الذين ورطوا البلاد فى حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

لقد إحتاج الملا عمر وحركة طالبان إلى حوالى ثلاث سنوات لإعادة ربط الشعب بهم مرة أخرى، وإقناعهم بعدالة المعركة وضرورتها الدينية والدنيوية.
الخطر الحقيقى الآن:

هل تنجح سياسة التوريط العربية ـ من القاعدة وغيرها ـ فى فك إرتباط الأفغان بحركة طالبان الأفغانية ـ كما نجحوا بدرجة ملموسة فى باكستان؟؟.

(بيرل هاربر) ذلك السحر الأمريكى الطائر
من هاواى.. إلى مزار شريف .. إلى نيويورك

كان الرئيس الأمريكى روزفلت فى حاجة إلى حادث كبير يتيح له دخول الحرب العالمية الثانية .

وكان الشعب الأمريكى ونوابه يرفضون دخولها . فتم ترتيب حادثة” بيرل هاربر” حيث إستدرجت اليابان لضرب الأسطول الأمريكى الرابض مثل “البطة العرجاء” فى ميناء الجزيرة .

وكانت الولايات المتحدة قد ضغطت على اليابان وخنقتها إقتصاديا إلى ما يقرب من الموت بحيث لم يعد أمامها بد من خوض الحرب ضد الولايات المتحدة . وحدث ذلك بينما الأسطول الأمريكى ” أومعظمه ” رابضا فى ميناء بيرل هاربر فى وضعية غواية يستحيل مقاومتها . فكانت الخطيئة التى رتب لها الأمريكيون بعناية فائقة ثم كان لابد لهم من عقاب المعتدى والإنتقام للشرف الأمريكى المثلوم.

فجاء قرار بدخول الحرب بإجماع النواب الأمريكين ” ماعدا واحد ” .

ومنذ الستينات فى القرن الماضى بدأت العناصر الأمريكية المتأثرة بالنازية الألمانية تتكلم عن الحاجة إلى ” بيرل هاربر جديدة ” توفر مناخا داخل الولايات المتحدة لظهور حكم شمولى لرئيس جمهورية مطلق الصلاحيات تقريبا .

ومنذ آواخر التسعينات فى القرن الماضى كان الحديث يدور عن الحاجة الملحة إلى ” بيرل هاربر جديدة ” كان حديثا مسموعا وملحا . وقبل أكثر من عام من حادثة 11 سبتمبر كان قرار غزو أفغانستان قد أصبح جاهزا . وتكررت ” بيرل هاربر” ولكن فى جزيرة منهاتن فى 11 سبتمبر 2001 .

ولكن لم يلتفت أحد إلى حدوث ” بيرل هاربر” أخرى فى صيف 1998 فى مدينة مزار شريف الأفغانية رغم التشابه المذهل بين الحادثين .

حادثة 11 سبتمبر كانت حيوية بالنسبة للمحافظين الجدد فى واشنطن من أجل إحداث تغير عميق فى الحياة السياسية الأمريكية يتمثل فى مصادرة الحقوق الدستورية للموطنين .
( أى إحداث إنقلاب دستورى جوهرى فى طبيعة النظام الأمريكى من الداخل ) .

وبالنسبة إلى السياسة الأمريكية الخارجية كانت حادثة 11 سبتمبر علامة إنطلاق لحملة عدوانية على نطاق العالم تتلخص فى إستخدام القوى العسكرية المتفوقة فى مصادرة موارد الطاقة والمواد الخام ، وقمع أى قوة تعترض على العدوان الأمريكى فى العالم وسحقها بحجة “محاربة الإرهاب” .

كيمياء السياسة الإيرانية فى عام 1998 وجدت الفرصة لتنفيذ ” بيرل هاربر” خاص بها يوفر فرصة لإنطلاق سياسات جديدة داخليا وخارجيا .
المكان هو مزار شريف وتحديدا القنصلية الإيرانية هناك .

بدأت القصة فى عام 1997 حين تمكنت حركة طالبان من إقتحام مدينة ” مزار شريف” الحصن العتيد لقائد الميلشيات الشيوعية السابق ” عبد الرشيد دوستم ” وذلك بعد شبهه تحالف مع الجنرال ” مؤمن ” الصديق القديم والمنافس الحالى وقتها للقائد دوستم .

وكان الملا محمد عمر معترضا على ذلك التحالف لكن كبار قادته ضغطوا عليه ، وفى مقدمتهم وزير خارجيته وعدد من ” العقلاء” الذين وجدوها فرصة سانحة لدخول المدينة بسهولة تحقن الدماء، بما يبرر التعاون مع “مؤمن” الشيوعى.

حدث ما توقعوه وكانت الفرحة عارمة، ودخلت قوات طالبان إلى المدنة بلا أى حرص. وزودتهم الإمارة بالمزيد من القوات لتأمين المدينة. ولكن فرحة النصر السهل سلبت عقولهم، ولم يفيقوا إلا بكمين أطبق عليهم من كل جانب بينما كانوا فى إسترخاء تام فى أرجاء المدينة. فكانت مجزرة قتل منهم فيها عشرة آلاف شخص( حسب مصادر طالبان).

ولم يكن ذلك كافيا لإرواء الغليل الدموى للجنرال دوستم وحلفائه الشماليين. إذ تخطوا كل الخطوط الحمراء فى المجتمع الأفغانى واعتدوا على النساء واغتصبوا الكثيرات علنا فى الميادين العامة ومواقف الباصات الكبرى.

لذا كانت دوافع الإنتقام لدى طالبان خارج كل تصور.
وقت دخول الطالبان السهل إلى مزار شريف فى1997 يبدو أن القنصلية الإيرانية هناك كانت خالية. وقد كانت هى مركز إدارة الدعم اللوجستي الذى تقدمه إيران لتحالف الشمال. وهو دعم إنسانى وإقتصادى وعسكرى. وكان ذلك هو الدعم الأساسى الذى يصل تحالف الشمال ، متفوقا على الدعم الروسى الذى يدار من طاجيكستان المجاورة ويركز على التسليح الخفيف والمعدات العسكرية الثقيلة.

بينما المجزرة دائرة على أشدها قاتلت قوات طلبان ببسالة نادرة حتى تمكنت من سحب جرحاها مع أكثر جثث القتلى عبر مطار المدينة. ثم عاد تحالف الشمال إلى المدينة فى أجواء إحتفالية عارمة وسط إطلاقات نار مجنونة إبتهاجا، مع حفلات إغتصاب علنية وجماعية لم تحدث فى أفغانستان لافى وقت إحتلال “التتار” ولاحتى السوفييت.

الصيف التالى عام 1998 فجأه وبلا مقدمات وصلتنا أخبار فى قندهار بأن قوات طالبان قد دخلت مزار شريف . وأنها تباشر أعملا إنتقاميه ثأرا لما حدث لهم قبل عام . فى الحقيقة أنهم فعلوا كل ما يمكن أن تبيحه لهم الاعراف الإنتقام القبلى . ولم يتخطوها ، كما فعل الشماليون فى العام السابق ، إلى الإعتداء القبيح على أعراض النساء .

وجدوا الفرصة سانحة فأقتحموا القنصلية الإيرانية وكان ذلك متوقعا بل هو جزء من البرنامج الإنتقامى نتيجة الدور غير الدبلوماسى الذى تقوم به القنصلية، ولكن المفاجأة غير المتوقعة هى كون الطاقم القنصلى كان متواجدا.

لقد كانت القنصلية فى الحقيقة أقرب إلى جهاز عسكرى يدير ويشارك فى توجيه حرب أهلية داخل أفغانستان . وكانت الأسلحة المصنوعة فى إيران والتى تصل إلى “تحالف الشمال ” كبيرة جدا . ويقال أن هناك خبراء عسكريون شاركوا بالفعل فى قيادة قوات التحالف فى العديد من المعارك الهامة ، وذلك حسب معلومات حركة طالبان التى أدعت أن لديها القليل من الأسرى الإيرانيين .

ومع هذا فإن عملية الإقتحام القنصلية كانت غير صحيحة سياسا . والأدهى أن الذى حدث داخل القنصلية كان مفزعا . إذ أن عناصر طالبان بعد أن إحتجزوا أحد عشر دبلوماسيا لم يلبثوا أن فتحوا عليهم النيران وقتلوهم جميعا ( او تسعة فقط فى رواية أخرى ) .

وما زلت مثل كثيرين أجهل كيفية دخول قوات طالبان بكل هذه السهولة والسرعة إلى مدينة هامة و محمية بقوة من أعتى المليشيات الشيوعية المتمرسة .

وأيضا أجهل مثل كثيرين لماذا لم تنسحب عناصر القنصلية الإيرانية من المدينة كما فعلوا المرة السابقة عام 1997 ؟ .

ولماذا ترك الإيرانيون دبلوماسييهم جالسين فى القنصلية مثل (البطة العرجاء) تماما مثل الأسطول الأمريكى الذى كان فى وضعيه غواية من أجل إستدراج المغفلين اليابانيين؟؟.

لم يكن إخلاء طاقم القنصلية صعبا. فالأمر لايحتاج لأكثر من عدة دقائق طيران بالهيليكوبتر ويصبح الطاقم كله فى أوزبكستان المجاورة والمعادية حتى الموت لحركة طالبان، وحليفة دوستم والمساندة الأعظم له ولقواته. والطائرات الهيلوكبتر متوفرة بكثرة لدى مسعود ودوستم وكلاهما حليف أكثر من مقرب لإيران.

وإذا إستخدمت السيارات فيمكن لطاقم السفارة أن يصل إلى جسر” حيرتان” على نهر جيحون فى خلال ساعة على الأكثر .

فهل إستخدم المخططون للعملية طاقم القنصلية الإيرانية كطعم يجتذب شهية الإنتقام لدى مقاتلى طالبان فتقع فى الخطيئة وينفتح باب العقاب على مصراعيه وتنشب حرب لم يكن لها أن تقع بغير هذا الأسلوب العبقرى؟؟.

تكفلت آلة الدعاية فى إيران بتحويل حركة طالبان إلى شيطان وتبدلت أولويات العداوة لدى الرأى العام الداخلى ، فأختفت أمريكا ( كشيطان أكبر) وحلت محلها حركة طالبان ( كشيطان رجيم ) .

ولأول مرة منذ الثورة الإسلامية يحدث مثل ذلك التحول لدى الشعب الإيرانى . بل وتحولت السياسة الإيرانية الخارجية نحو مسار المصادمة مع طالبان . حتى أوشكت الحرب أن تنشب بالفعل . وكان السيناريو لها جاهزا . وأعربت أوروبا نيابة عن الولايات المتحدة ” حتى لا تثار الشكوك لدى الشعب الإيرانى ” عن تأييدها لأى تحرك عسكرى إيرانى ضد ” طالبان” أفغانستان. بدأت التحركات العسكرية الإيرانية تكون واضحة على الحدود . وإقيمت سواتر ترابية على الجانبين ، وأغلقت منافذ الحدود فى وجه الحركة التجارية أولا ثم أمام المسافرين بعد ذلك . وكان الجميع فى أنتظار طلقة البداية .

لكن المرشد العام ” السيد الخامنئى ” رفض مشروع الحرب الذى أعده السياسيون ” المتآمرون”. فأثبت رغم الشرنقه الخانقة المحيطة به ، أنه قادر على ضبط نغمات رئيسية فى إيقاع الحرب والسلام فى دولته .

ـ ولكن مهندس الكيميا السياسية إستمر فى إدارة التفاعلات . وتلميذه النجيب رئيس الجمهورية ” خاتمى ” كان يمضى بسرعة وسلامه فى تنفيذ المطلوب لإتمام تحول جوهرى فى طبيعة النظام الحاكم . والبداية هى أفغانستان .

كان منطقيا أن يتحول الأمريكان إلى حليف فى ماجهة العدو الداهم الذى يتهدد إيران والعالم ، وهو حركة طالبان المتحالفة مع الإرهاب الدولى .

أخذ التحالف خطواته العملية الحاسمة بعد أحداث سبتمبر2001 . ولكن لم يظهر بالتفاصيل الفضائحية إلا قبل قليل من إنتخابات الرئاسية الأخيرة فى يونيو 2009 ويبدو أن هدف خاتمى كان أحراج النظام كله وخاصة ” مرشد الثورة ” على إعتبار أنه المسئول الأول عن تلك القرارات الهامة . وإذا كان خاتمى تآمر وتعاون مع الأمريكان فى غزو أفغانستان فلابد أن يكون القرار قد حظى بموافقة المرشد الأعلى . إذن الجميع مدان وليس خاتمى منفردا رغم أنه كان رئيسا للجمهورية وقتها … منطق وجيه .

ولكن المعروف عن ” السيد الخامنئى ” أنه ماكان ليوافق على قرار خطير مثل ذلك يخالف بصراحة كل مبادئ الثورة الإسلامية ووصايا الإمام الخمينى إلا أن يكون :

أما تحت ضغط وتهديد مادى ـ أو تحت حصار كامل من جميع عناصر صنع القرار الأخرى والمجالس الدستورية المتخصصة وكلها تحت سيطرة رفسنجانى {{ مثل مجلس تشخيص مصلحة النظام، ومجلس صيانة الدستور، ومجلس خبراء القيادة}} وهى التعبير المركز عن القيادة والسيطرة على كامل الدولة.

أو أنه تعرض إلى دفق هائل من المعلومات الكاذبة والمضللة من أجهزة الإستخبارات المختلفة ، ذلك كله مصحوبا بهستريا إعلامية على النمط الأمريكى عند هجومها على خصم مطلوب حرقه معنويا تمهدا لسحقه ماديا .

أو أن تكون الدولة الإيرانية قد تلقت تهديدا أمريكيا مثل الذى تلقته باكستان بتحويلها إلى دولة من العصر الحجرى أن هى لم تتعاون مع أمريكا فى غزو أفغانستان .
قد يكون ما حدث هو واحد أو أكثر من بين تلك الإحتمالات .

قبل الإنتخابات الرئاسية الأخيرة بقليل ظهر ” السيد خاتمى ” فى برنامج للتلفزيون البريطانى يشرح بالتفصيل ، وبثبات أعصاب نادر المثال ، عن مراحل التعاون مع الولايات المتحدة فى غزو أفغانستان موضحا كم كان هذا التعاون حيويا لنجاح الغزو، ولولاه ما تمكنت أمريكا من الإنتصار . بل أن بدايات الغزو التى كانت غير موفقة وغير ناجحة تغيرت عندما ثار أحد الضباط الإيرانيين ، وكان واحدا من أعضاء الوفد الحكومى فى لجنة التعاون المشترك مع الأمريكان .

ذلك الضابط الهمام غضب وثار وضرب بقبضته على الطاولة ، وقال أن العمل لايسير على ما يرام وأن الكلام أكثر من الأفعال وأن الضرب الجوى لن يحسم المعركة . فإذا كان الإمريكان ينشدون الإنتصار فعلا فى هذه الحرب فعليهم تقديم الدعم الجوى لقوات التحالف الشمالى لتمكينة من دخول لكابل ، وضرب أهداف طالبان الموضحة على تلك الخريطة ثم رمى على الطاولة خريطة موضح عليها المواقع المطلوب قصفها أمريكا . أخذ الأمريكان الخريطة ودرسوها وتبنوا المقترح الإيرانى وصار هو (إستراتيجة الحرب) التى قادت بالفعل إلى النصر .

ـ لا شك أن ذلك الموقف “الخاتمى” هو من اللحظات النادرة التى يمكن للمرء فيها أن يشعر بالإحترام للرئيس الخائن ” أنور السادات ” .

وهو موقف يذكر المرء بشاعر الستينات فى مصر (إبراهيم عمار) الذى قال فى أحد قصائده :
فالخطايا تتحدى كالبغايا
بينما الخير عجوز أبكم … فيه بله
لم يعد فى الأرض من يسمع له

لم يقف “سيدنا” عند ذلك الحد، بل واصل القول بأنه عند إقتراب الحرب الأمريكية على العراق، أرسل سيادته إلى الأمريكان (عارضا عليهم تكرار التجربة المشتركة بينهما فى أفغانستان). ولكن الأمريكان رفضوا التعاون هذه المرة وفضلوا أن يعملوها منفردين.

هل يمكن أن يصل الهوان إلى ذلك الحد؟؟ .. ” يتقصع” السياسى “ويعرض نفسه” ويتمنع الزبون ويستغنى بقرف عن تكرار “التجربة المشتركة” !!.
فأى سوق هذا ؟؟ سوق سياسة أم سوق لشئ آخر وصفه “إبراهيم عمار” بدقة ؟؟..
{{ تطور هام جاءت به الحداثة.. فلم تعد البغايا يعرضن أنفسهن بتحد كما فى السابق. بل إنهن الآن يهاجمن ويغتصبن ضحاياهن بالقوة.. كما حدث فى أبو غريب وباجرام وجوانتانامو .. وهكذا الآن هو البغاء السياسى }}.

أثناء فترة رئاسة خاتمى قررت الولايات المتحدة إخراج إيران من طوق “الإحتواء المزدوج” وأبقت العراق وحدها داخل القفص. كما وافقت على رفع سعر النفط من عشرة دولارات أو أقل إلى عشرين دولارا للبرميل.

( من المفيد هنا مراجعة ماجاء فى الصفحات من 161 إلى 165 من كتاب الأستاذ محمد حسنين هيكل “عام من الأزمات 2000 ـ 2001 “. والكتاب صادر عن الشركة المصرية للنشر العربى الدولى )

وبالنسبة لإيران كان فى ذلك مساعدة لخاتمى فى برامجه الإقتصادية الداخلية ليظهر كحاكم ناجح محبوب من الشعب ويتصدى للتيار الثورى القوى الذى يعارض سياساته فى الداخل. وطمعت أمريكا فى أن سياسة خاتمى قد تقود فى النهاية إلى إقامة علاقات بين إيران وإسرائيل.

هذا هو الثمن فى سوق تراجعت فيه العقائد لصالح المواقف المدفوعة الثمن. وحوار الحضارات التى تمشدق به خاتمى وكأنه “أم الإختراعات” كان مجرد سلعة لها مقابل ولها ثمن يقاس بالدولار ويقاس بالدعايات والسمعة الدولية التى لاينالها إلا خاصة المتعاونين والمرضى عنهم.

لاأظن أن إيران يمكنها أن تصلح علاقاتها مع “العالم السنى”، وأن تقمع دعاوى الفتنة الطائفية التى أججها أعداء الإسلام، إلا بأن تضع “السيد خاتمى” فى قفص الإتهام وأن تحاكمه بتهمة الخيانة العظمى: خيانة الوطن الإيرانى والثورة الإسلامية، والأمة الإسلامية جمعاء ، تهمة التواطؤ مع أعداء الأمة فى العدوان والقتل والإحتلال فى كل من أفغانستان والعراق. وتهمة تضليل الشعب الإيرانى وقيادته العليا الممثلة فى المرشد الأعلى للثورة وتزويده بمعلومات كاذبة ومضللة بهدف إقحام الدولة فى حرب تضر بمصالحها الوطنية وتسئ إلى علاقاتها مع الجوار المسلم وتخدم أعداء الوطن والشيطان الأكبر الحقيقى.

كما أن معمل الكيمياء السياسية الضارة “بتشخيص مصلحة النظام” والذى لا يشخص سوى الأضرار بالأمة ومصالحها. ذلك المعمل ينبغى إغلاقه بسرعة ونهائيا. ومحاكمة القائم عليه حول كارثة أفغانستان، منذ وفاة الإمام الخمينى وحتى مجزرة الدبلوماسيين فى مزار شريف، الذين ذبحوا على الطريقة الأمريكية لتحقيق تحالف إستراتيجى مع الشيطان الأكبر وضد مصالح المسلمين ووحدتهم السياسية وسلامهم المذهبى. وأدت فى النهاية إلى تطويق إيران بالجيوش الأمريكية والأوربية بما يغرى هؤلاء بشن هجوم نهائى عليها أو إسقاط نظام الحكم بواسطة ( ثورة مخملية) جهزوا لها فى أعقاب الإنتخابات الأخيرة فى يونية 2009 .

إذا لم يقدم هؤلاء إلى محكمة علنية أمام الرأى العام الأيرانى صاحب المصلحة الأولى والشعوب المسلمة المهتمة والمتأثرة عميقا بكل ما يحدث فى إيران ذات الموقع والقيمة الإسلامية العالية. فإن الوضع الإسلامى العام سيواصل التدهور وقد تستشرى الفتن. ويكون القادم هو الأسوأ .. وجميع الأمة الإسلامية ستدفع أبشع الأثمان.

وهكذا فقط يمكن طى صفحة سوداء فى تاريخ المسلمين (سنة وشيعة) وأن تبدأ صفحة جديدة تقهر الفتنة ومشعليها من أعداء ومنافقين ومرتزقة.

وماذا بعد ؟؟

عصر نجاد القادم يعطى القليل من الأمل ـ وفى مرحلة كهذه يعتبر الأمل القليل بذخاً مفرطا. فنجاد مشهود له بالإنعطافات الحادة غير المتوقعة .

فى قضايا الأسرى من الجنود البريطانيين الذين إعتقلوا فى المياه الإقليمية الإيرانية مرتين. تم الإفراج سريعا عن الدفعة الأولى. أما فى المرة التانية فقد إستقبلهم نجاد بنفسه فى القصر الجمهورى مودعا إياهم بكرم وحفاوة ( حظى بعكسهاـ مثلا ـ الأسرى من المجاهدين العرب فى إيران) . وكانت رسالة مقروءة بأن الرجل صديق لبريطانيا والغرب وباقى القوات المحتلة للعراق ويراهم أصدقاء حتى لو دخلوا المياه الإقليمية لبلادة فى مهمة تجسسية مسلحة.

قبل الإنتخابات الرئاسية بأشهر قليلة دخل فى سباق محموم ليثبت للأمريكيين أنه حليف قريب ـ أكثر من اللازم ـ ومستعد أن يمضى إلى نهاية الشوط فى “الحرب ضد إرهاب القاعدة وطالبان فى المنطقة كلها ” .

وحضرت إيران مؤتمر الجباية الذى عقد فى اليابان لصالح نظام زردارى فى اليابان وكانت ضمن المتبرعين لدعمه فى إنشاء قوة عسكرية مكونه من ثمانين الف جندى لمحاربة ” طالبان باكستان ” بتكلفة إجمالية خمسة مليارات دولار .

ثم أرسل وزير خارجيته ليجتمع ثلاثيا مع كرازى ووزير خارجية طاجيكستان فى رأس السنة الإيرانية لتجديد التحالف ضد الإرهاب فى المنطقة . عقد الإجتماع فى مزار شريف … لا غيرها !! .

ثم إستدعى الثنائى المشبوه كرازاى وزردارى إلى طهران لعزف نفس اللحن جماعيا مرة آخرى وكان معهم فى غاية الإنطلاق واللطف، فى رسالة واضحة المعالم لواشنطن تقول : إن طهران على عهدها وأن لا فرق بين نجاد ومن كانوا قبله، خاتمى أو رفسنجانى . وأن معمل الكيميا السياسية فى طهران مازال فى كامل لياقته ومازالت معادلاته سارية المفعول. وأن نهاية المطاف هى الإندماج فى المشروع الغربى للمنطقة والعالم .

هذه شواهد تكفى للتدليل على أنه .. لا أمل .. أو على الأقل لا أمل كبير .
ولكن الإنتخابات الرئاسية أحدثت شرخا لا لبس فيه مع الغرب . وكانت الإنتخابات مشروع متكامل لثورة ” برتقالية” أو”مخمالية” إرتدت الثوب الأخضر هذه المرة . وكان قائدها ” موسوى ” هو القائد الجذاب الذى صفق له الغرب ورقص .

وشعارات موسوى هى نفسها شعارات السادات وعباس والسنيورة والمالكى وكرازاى وزردارى وكل ذلك الصنف البائس الكريه .

هذا الشرخ هل يتطور إلى خصام وعداوة مع أمريكا والغرب ؟ . الإحتمال ضعيف ، ولكن حتى هذا الإحتمال الضعيف يستحق لحظة أمل قد تدوم أو لاتدوم طويلا .

فإذا عادت ريما إلى عادتها القديمة ـ فعلينا أن نشدو مع شعب العراق العظيم والراحل ناظم العزالى : ( ومعََود على الصدعات جلبى ليلا ) .

للتحميل اضغط علي اسم المقالة ( نحن … وأفغانستان … وإيران )

بقلم :
مصطفي حامد (ابو الوليد المصري)- 21 يوليو, 2009
copyright@mustafahamed.com

المصدر :
موقع مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world



ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا